كان الأمل يسمو بنا إلى اجتماع شمل المسلمين وكان قادتهم يمهدون لجمع الشمل ووحدة الأمة كما فعل الملك فيصل بالدعوة إلى إنشاء المؤتمر الإسلامي، ثم تدنى هذا الطموح إلى اتحاد العرب أولا لعلهم يكونون نواة لوحدة المسلمين ولكن العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا فتفتت الوطن العربي وخاب الأمل في اجتماع شملهم وقامت قيامتهم فتفرقوا وتشتت شمل أوطانهم فتقسموا إلى فرق وجماعات تتناحر كأنهم لا يعرفون بعضهم إلا هذه الساعة ولم يكن لهم علاقة في بعضهم. كأن أصحاب الوطن الواحد لا يعرف بعضهم بعضا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام وهم في وضع منسجم يعرف كل واحد منهم حدوده الدينية والأخلاقية وكل يعرف مسار صاحبه كل قبيلة تعرف القبيلة الأخرى وتحترم عاداتها وتقاليدها، وكل مدينة تعرف المدينة الأخرى وتحترم عاداتها وتقاليدها وكل قرية تعرف جارتها لذلك انطلق المثل: كلنا أهل قرية وكل يعرف أخاه. وعلى هذا الأساس تجانس الناس وكل سار على طريقه الذي يعرفه دون المساس بالآخر ولا بالطريق الذي يسلكه صاحبه تحاشى الناس الشحناء وكل ما يؤدي إلى التفرق الذي يؤدي إلى الصدام والبغضاء بين الناس، وكان وجهاء المجتمع ورجال الدين من كل فئة يوجهون الناس للتوافق والتصالح لتستمر الحياة، فهؤلاء الناس لم يكتشفوا بعضهم اليوم! كانوا يتعارفون منذ مئات السنين إلى أن نفث الشيطان نفثاته الشريرة بين أبناء الوطن الواحد فكأنهم يتعرفون على بعضهم هذه الساعة وكأن حكماءهم وخطباءهم الذين جمعوا شملهم بالأمس لا يعرفون شيئا، وكأن آباءهم لا يفقهون من أمرهم الذي ساروا عليه قرونا. نسي الجميع ما أكله كل منهم مما صنع الآخر، صاحب الدهن نسي ما أكله من صاحب التمر وصاحب التمر نسي ما أكله من صاحب السمن واقط ضأن الآخر! لماذا؟ هل كان كل واحد منهم في كوكب وهبط أحدهما على الآخر هذه الأيام؟ كلا كلنا أهل قرية إلى أن نفث الشيطان بين أهل البلد الواحد، وبلا شك ان كل من سعى في التفرقة فهو شيطان مهما ادعى خلاف ذلك لأن كل من يزرع الفتنة ويفرق بين أهل الوطن ما هو إلا شيطان وكل من يجمع الناس ويلم شملهم هو مؤمن نعم نحن أهل وطن واحد تحت راية التوحيد والقيادة الحكيمة منذ مئات السنين وليدرك الجميع أن أمة العرب كلها مستهدفة، وقلب هذه الأمة العربية والإسلامية هو هذا الوطن المملكة العربية السعودية وأهلها، وليدرك الجميع أن من يسعى لتفتيته والتفريق بين طوائفه وفئاته الاجتماعية هو عدو لدود للجميع مهما تنطع باللحى وقصر الثياب أو بالعبي والعمائم السوداء أو البيضاء، فالكل يدل على غايته بنفخة على نار الفتنة مهما تنطع بالدين وتسلح بما لديه من المعرفة لأن المعرفة وحدها لا تكفى عن حسن النوايا وصدق المقاصد المتوجهة لله بإخلاص لجمع شمل الوطن.