التاريخ المرادف للزمن معروف منذ بدء الحياة على الارض.. أما التاريخ المرادف للفعل البشري وتأثيره في الصيرورة البشرية الجماعية وتطورها.. فلم يعرف إلا في العصر الحديث، وإن رأينا عند ابن خلدون شموعا قمرية على طريق اكتشافه. ركز ابن خلدون على جوانب مهمة في التاريخ منها: ان سبب اخطاء المؤرخين من قبله هو: ذهولهم «عما أحالته الايام من الاحوال واستبدلت به عوائد الامم والاجيال» أي ذهولهم عن ملاحظة التغير الذي يحدثه تفاعل الحياة الجماعية أي التغير الذي يحدثه التاريخ.. ومنها قوله: «التاريخ تتساوى في فهمه العلماء والجهال، اذ هو في ظاهره لا يزيد على اخبار عن الايام والدول، تنمو فيه الاقوال، وفي باطنه نظر وتحقيق وتقليل للكائنات ومبادئها دقيق» أي ان للتاريخ ظاهرا وباطنا، الظاهر لمن لا يسأل عن علل الاشياء ولا كيف حدثت.. والباطن لمن لا يقنع الا بمعرفة تلك العلل وكيفيات الحدوث. والاهم من كل هذا– على أهميته– ملاحظة ابن خلدون ما للاقتصاد من تأثير هائل في حياة البشر، ولكنه بعد هذه الشموع الرائعة عاد ليقول: «الماضي اشبه بالآتي من الماء بالماء» أي ان التاريخ دائري في سيره، وهذا بالتالي نكران لفعل التاريخ وتطوره. اذن علينا حين نريد معرفة ما يفعله التاريخ في مسيرة التطور البشري ان نعود الى ما تركه اعلام مثل اوغست كونت، اميل دركهايم، كارل ماركس، هربرت سبنسر وماكس نيبر من القوانين التي يسير وفقها التاريخ. قصدي من كل ما تقدم هو طرح السؤال التالي: اين ثقافتنا العربية من الوعي التاريخي؟ قد تسأل ساخرا: هل هناك حاجة لطرح هذا السؤال المترف؟! وأجيب بسرعة: الحاجة.. بل الضرورة لطرحه: هي معرفة مكاننا من قافلة الحضارة: هل نحن داخل هذه القافلة ام خارجها؟ انطلاقا من قول ارلوند توينبي: (البداوة مجتمع بلا تاريخ) لأن مجتمع البداوة مجتمع راكد لا تنمو فيه المعرفة وتنعدم لديه القدرة على التطور والتاريخ ليس له معنى غير التطور.. واذن هل نحن داخل التطور ام خارجه؟ اعرف ان السؤال يحمل من القسوة حجارة ضخمة واعرف ان رأسك لا يحتمل.. ولكن لم يترك الزمن لنا رفاهية عدم الاجابة عن الاسئلة، واذن علي ان اعيد طرح السؤال: اين ثقافتنا العربية من الوعي التاريخي؟