قرأت حديثاً مقتطفاً من كتاب الإعلام الجنسي أعجبني: «الإنسان الجسماني الاستهلاكي المنشغل بتحقيق متعته الشخصية يدور في دائرة ضيقة للغاية خارج منظومات قيمية اجتماعية أو أخلاقية». وسأنطلق من خلاله حول الاتجاهات الثلاثة لتلفزيون الواقع الغربي والقيمي والعربي الآخر. جزء من محيطنا الإعلامي البالغ 1296 قناة عربية وإذاعات أثيرية متعددة يُدعى بتلفزيون القيم أو القنوات الهادفة، والتي بُثت بعد الألفية الثالثة منها قناة اقرأ وشبكة المجد، وهذه متنوعة البرامج ومتعددة الوجهات واللهجات والرؤى والمرجعيات الدينية. القنوات الهادفة لها جمهور واسع ذو قيمة فنية قيمية أحسنت بإلزام أنفسها بفن «البديل المباح» وغضت كل البصر عن ثقافة الُعري المثبت فسادها حين نتأمل نص د.عبدالوهاب المسيري القائل: «الإعلام العاري (الفيديو كليب) يختزل الأنثى والإنسان ككل إلى بعد واحد هو جسده، فيصبح الجسد هو المصدر الوحيد لهويته، وهي هوية ذات بعد واحد». هنا لست مادحاً أو ذاماً ساخطاً إنما إفرازات وحراك هذه الشبكات القيمية المؤثرة خصوصاً تلفزيون الواقع منها جعلت قلمي يدوّن حديثاً وقضية تتطلب البحث والتدوين والبسالة الصحفية الأنيقة. نحن في القادم بصدد استكمال الفارق والبون الشاسع بين هويات تلفزيون الواقع العالمية وهي كالآتي: أولاً: تلفزيون الواقع القيمي (الهادف والمحافظ). ثانياً: تلفزيون الواقع الآخر (العربي). ثالثاً: تلفزيون الواقع الغربي (الأوروبي والأمريكي). دعونا نستبعد تلفزيون الواقع الآخر (العربي) والقيمي المحافظ ولننطلق في تشخيص الهوية الثالثة (تلفزيون الواقع الغربي) المُنحط خُلقياً والذي عَبَّر عنه الفرنسي جان بودريار بقوله: «إنَّ العُريَّ المقدم في وسائل الإعلام التي تتحكم بها أو تلهمها الرأسمالية الجديدة هو نتاج ثقافة إعلامية تعتمد على النجوم العاطلين من الموهبة إلاَّ موهبة التعرية. فالعري الذي كان شأنا خاصاً أصبح شأناً عاماً بشيوع الوسائط الإعلامية الجديدة». بدء البث في أمريكا عام 1936م وكانت الإباحية في الأفلام الوثائقية فقط، ثم أُشيع الفُحش بالمسلسلات حتى كان عام 2000م والذي يُدعى بعام الذعر الأخلاقي الأمريكي، حيث قام مطرب بتعرية جزء من جسد مطربة أمريكية، هذا للأسف كان في منافسة كروية - شريفة حسب ظني - وبالتحديد فإنَّ المهمة الانحلالية كانت في دورتها 38 من نهائي الدوري الأمريكي. هل تعلم أن الجنس في التلفزيون الكابلي الأمريكي (قنوات مدفوعة الاشتراكات) أصبح يعرض في عام 2005م ضعف ما كان يبث في عام 1998م. أي قبل عشر سنوات من خلال دراسة أكاديمية إعلامية مولتها مؤسسة عائلة كايزر والتي حللت 1000 ساعة درامية لقناة p.t.v المعروفة والمشهورة غربياً بالشبكة والقنوات الفائزة بجائزة إيمي التلفزيونية. إذن مكافحة الإباحية والعُري دورٌ مقاوم تقوم به القنوات الهادفة مشكورة. اتجاهنا هنا نحو البوصلة الأولى لسلسلة مقالات كتاب (قطاف عن تلفزيون الواقع) وهي بوصلة الإباحية والعري فقط ووجدنا ما نشكر به الإعلام الهادف في المملكة والخليج والعالم الإسلامي والعربي، فشكراً رجالات تلفزيون الواقع القيمي أنتم المناعة الصحية والسد المنيع تجاه إباحية المجتمعات وهدم أخلاق شبابها وفتياتها. ابتداء من الفن والرسم التشكيلي ازدهرت ثقافة العري الغربي من عام 1890م وحتى 1930م كذروة ازدهار الحداثة الغربية الساقطة شرعاً وخُلقاً وعقلاً، فباختصار هنا سأسرد (4) مواقف غربية فاشلة وأدوارا تُعد صنيعة جهات ومؤسسات ومجموعات مقاومة نحو الإعلام الهابط والعُري الغربي المتنوع: أولا: لجنة الاتصالات الفدرالية الأمريكية(f.c.c) وجماعات الضغط الأخلاقية حاولت التضييق على البرامج غير المهذبة وللأسف انحصر التضييق في القنوات العامة، ما عدا برامجها الوثائقية والتي كان العري فيها سيد الموقف. أما قنوات الكابل المشفر مدفوعة الاشتراكات فكان التضييق غائباً عنها، بل استفزت الجميع في إعلان تحديها الصارخ للمُثل والقيم المجتمعية. ثانياً: الفن التشكيلي أول محطات التعبير عن العري بأنواعه الثلاثة من المثالي والملاحظ والتعبيري، وقبل 100 عام من الآن هاجمت الكنيسة الكاثوليكية كلّ الأعمال التشكيلية والمجسمات الفنية التي تصور العري، وللعلم فإنّ تغطية التماثيل العارية كان الجهد الجهيد من رجال الكنيسة لصد نوبات العري الفظيعة والانتهاك الخُلقي. وهذا فشل ذريع بل هو كلّ الفشل تجاه أمانة الدين والاستخلاف للأرض وأهلها. ثالثاً: جمعيات حقوق الطفل الغربية الآن يتصاعد من مكاتبها ألوان من البيانات الرافضة لصور العري عبر القنوات الأكثر مشاهدة للطفل الغربي. بل اكتفت بعلامات (+18) دلالة على أنّ المادة الفلمية والمشاهد الإباحية غير مخصصة للأطفال، وما علمو أنّ ذلك دافعٌ نفسي وإيحاء عقلي لانجذاب الطفل وانطلاق ثورته نحو الغامض والمثير. والواقع الغربي هو ازدياد العُري والتفنن فيه، بل قانون الزواج المثلي الأمريكي إيذانٌ بتحطيم كل قانون يُجرِّم العري والإباحية والأخلاق المُثلى. رابعاً: الهيئة العليا للإعلام (CSA) هي شرطة محطات التلفاز الغربية نحو أخلاق حميدة للمواد الإعلامية المخصصة للنشر، ومع ذلك اُستهزئ بها وقراراتها ضُرب بها عرض الحائط، بل كان لرجال الإعلام الخبيثين ممثلة بمجموعة كارا الإعلامية طرق أخرى لعرض الأفلام والمشاهد الإباحية من خلال إنشاء مشروع «صالات الدراما المخصصة للكبار»، فبهذا قُتل طُهر مشروع الهيئة الإعلامي. إذن السعيد من اتعظ بغيره ولنحافظ على إنجاز برامج الإعلام القيمي عموماً وبرامج تلفزيون الواقع خصوصاً البالغة أكثر من (5) برامج موسمية جماهيرية سنوياً ولتدعم ولنكفَّ صرخات التعصب بين مشاهديها. زبدة مقالي حول مواجهة القانون والدين لتلفزيون الواقع الجنسي (الغربي) حيث باءت كلها بالفشل، عبر رجالات الكنيسة الكاثوليكية وهيئة الإعلام (csa) وهنا ما يثبت ذلك. فلم التحامل على تلفزيوننا الواقعي القيمي إذاً؟!!