مواصلة للتحقيق الصحافي الذي قدمناه في الأمس حول العلاقة بين الفضائيات والمشاهد، وفي المحاولة بذل الجهد لإيجاد صفة للأهداف الحقيقية للتلفزيون وتحديدا إذا ماكانت أهدافه تثقيفية وتربوية، أم أنها ترفيهية وناقلة لما هو معاش فقط في الحياة الاجتماعية لكافة المجتمعات، ها نحن عزيزي القارىء نحاول متابعة التلفزيون ومايقدمه للمشاهد في عالمنا العربي من نوعيات برامجية قد تكون ممتازة أو جيدة أو مقبولة أو حتى مسيئة ، وبعد متابعة أبحاث حول ما يقدم في الشاشات العربية وجدنا أن برامج الواقع وما تحمله من سلبيات كثيرة في غالبها وخاصة ما تحتويه من قيم سائدة في المجتمعات الغربية حيث تنقل بدرجة أساسية حياة المجتمع الأمريكي أو الغربي بشكل عام بكل تفاصيله وتحاول تطبيقها على الواقع العربي فشكلت 11% فقط. كما لم يسجل خلال فترة دراسة جرت في دبي أي برنامج ذي طبيعة تعليمية وكذلك قلة البرامج الطبية والتاريخية وقد بلغت 4% فقط. في دارسة أجريت في دبي حول تعامل القنوات العربية المختلفة مع المشاهد العربي كان من أبرز نتائجها ما يلي: • ارتفاع طبيعة البرامج التي تضم مشاهد عنف ورعب حيث بلغت نسبتها 58% من البرامج. • ارتفاع نسبة البرامج العاطفية وبلغت 42%، كذلك ارتفاع نسبة المشاهد الجنسية التي شكلت 11% من البرامج الموجودة، وبجمع نسبتي البرامج العاطفية مع البرامج الجنسية نجد أن نسبتها بلغت 43% وهي عالية جدا لقناة عربية. • ارتفاع نسبة البرامج الجماهيرية على هذه القنوات حيث بلغت 31%. • ارتفاع نسبة البرامج الحوارية والتي بلغت 17%. • ارتفاع نسبة الأفلام المعروضة في المحطات الفضائية العربية بشكل عام حيث بلغت 94% من البرامج وفي بعض الأحيان تقل النسبة بفارق واضح في قنوات أخرى حيث بلغت 31%. • ارتفاع البرامج التسجيلية في بعضها حيث بلغت 36% من برامجها. • تركزت البرامج الدينية والإخبارية بشكل أساسي على إحدى هذه القنوات حيث بلغت 10% و7% فيها على التوالي. • ارتفاع مشاهد الرعب. • ارتفاع نسبة المشاهد العاطفية. • ارتفاع نسبة المشاهد الجنسية في قناة. • ارتفاع طبيعة المشاهد الترفيهية. • ارتفاع المشاهد الطبية. العقائد • تقديم السحر في برامج الأطفال وكأنه قوة خارقة محمودة عبر تحويل البشر إلى ضفادع أو فئران. • عرض التأثير الحارق للصليب على الشياطين والمتحولين من البشر. • التحبيب بالكنائس ودورها الإيجابي في الحياة. الأخلاق والسلوك • أظهرت نتائج متابعة الأفلام والمسلسلات على بعض هذه القنوات احتواءها على مشاهد عنف عالية وبعض المشاهد الجنسية واحتوائها كذلك على اللواط وتشجيع البحث عن علاقات غير شرعية للرجال والنساء وممارسة العادة السرية. • جعل ملابس الفتيات العاريات وكأنها عادية عند الفتيات اللواتي يمارسن الرياضة. الفكر • نقل وقائع الحياة الأمريكية بكل سلبياتها عبر التلفاز. • بيان قدرة FBI على حل القضايا الأمنية من خلال التسلسل المعلوماتي، وتمجيد عناصر القوة الأمنية الأمريكية في مكافحة الجرائم، ومن ثم إظهار القوة العسكرية الأمريكية التقليدية وغير التقليدية بطريقة تجعل من عملية خلق الرموز القوية والقوى الخارقة.. سياسية إعلامية أمريكية مستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. • غياب الإنتاج المحلي العربي زاد من حجم الاختراق وأصبح التراجع عن الثوابت جزءا أساسيا لأن أغلب البرامج إما مستوردة من الخارج أو معدة من قبل شركات إنتاج أجنبية لا تتوافق ضوابطها مع الدين والعرف الاجتماعي لدينا. • تغير الإرث القيمي وإدخال الأفكار والقيم المستوردة عليه، بما لا يتوافق ولا يتلاءم مع التراث العربي والدين الإسلامي وذلك عبر برامج تلفزيون الواقع عموما. • نشر النعرات الإقليمية بين أبناء الشعوب العربية عبر برامج فيها نوع من تمجيد الذات. • السعي إلى صناعة النجوم من الشخصيات المستضافة في البرامج وهم من الفنانين غالبا ولا يمثلون أي مستوى حقيقي من الثقافة والإبداع في العالم العربي مما يساهم في التسطيح الفكري. • الاعتماد الرئيسي على البرامج والأفلام الأمريكية. • من الملاحظات المستنبطة من خارج أوقات الدراسة المسلسلات المكسيكية، وحاليا التركية المدبلجة باللهجة السورية يلاحظ عليها التأثير السلبي الذي يظهره الإعلام في منظومة القيم ونمو الثقافات فهذه المسلسلات تعمل على تفكيك وإفساد القيم الاجتماعية وبالتالي تعمل على كسر وعاء التنشئة الاجتماعية عبر تفتيت قيم المجتمع وثوابت ثقافته بما ينقله من صور مرتبكة من العلاقات الأسرية وتمجيد العلاقات المنحرفة مستهدفا الأسرة بشكل خاص ثم روابط المجتمع. • وجود برامج تعلم الحصول على المال السهل «اليانصيب». • تقديم نماذج الحياة الأمريكية على أنها إيجابية وبيان أن المخدرات والكحول من وسائل الراحة. الثقافة • عدم التفريق من ناحية المضمون ما بين البرامج الفنية والبرامج الثقافية. • غياب المتعة المعرفية في البرامج المقدمة عبر وضع نماذج مقلدة ومشوهة لبرامج أجنبية وذلك في تأجيل الهموم العربية والإسلامية لتحقيق متعة حسية مؤقتة وذلك عبر عرض برامج ترفيهية عن نجوم الغناء أو برامج تلفزيون الواقع مما يسبب الإفساد القيمي والوطني المبرمج وذلك بعد أن نزع الدور التربوي. • بخصوص برامج المسابقات والألعاب وبرامج تلفزيون الواقع يقصد منها بالعموم تسويق ثقافة رخيصة وتحقيق عوائد مالية سواء من حصيلة المكالمات الهاتفية أم عن طريق الإعلانات التجارية. • لم يسجل خلال الفترة الدراسية أي برنامج ذي طبيعة تعليمية وكذلك قلة البرامج الطبية والتاريخية والتي لم تبلغ إلا 4% فقط. اختلال المعايير ويقول الإعلامي عبدالرحمن يغمور مدير القناة الأولى في التلفزيون سابقا: لابد أن نقر أن هناك اختلالا طرأ في المعايير الرقابية في التلفزيون بين الأمس واليوم فالأمر يختلف تماما، لكني وبكل بساطة أهيب بإخوتي الزملاء في الشاشات العربية اليوم أن يراعوا الخلق والأخلاق في تعاملهم معنا ونحن أمام الشاشات وأبناؤنا وأسرنا فمهام التلفزيون الأساسية أنها تهذيب وعمل جميل لا ينفصل عن الذوق العام والتعامل الأخلاقي القويم. ضوابط رقابية ويقول المخرج طارق ريري الذي ترأس مركز تلفزيون جدة والعديد من القنوات الفضائية آخرها اليوم قناة الاقتصادية: الانفلات عن التعامل بضوابط رقابية في كثير من الفضائيات بدا واضحا اليوم في كثير من الشاشات، وأعتقد أن مثل هذا الأمر لابد له من وقفة مع الذات من قبل الواقفين على الرقابة في ما يقدم من مواد تلفزيونية. أخلاق الإعلام ويقول الإعلامي حسين العسكري ومدير إذاعة جدة الأسبق: العمل الإعلامي المؤطر والمزين بالأخلاق هو ما يسعى إليه العاملون في الإعلام المرئي الحديث، فعلى كل من هؤلاء الذين أوكلت إليهم المهام التلفزيونية في اختيارات البرامج والجهات الرقابية يجب أن يعلموا أنهم معلقون في رقابهم أمانة من نوع خاص. مسؤولية الفضائيات ويقول مدير تلفزيون جدة الإعلامي خالد البيتي: لوشعر كل مسؤول عن فضائيات اليوم بما عليه من واجبات تجاه أسرته الصغيرة وبيته لكان ذلك يكفيه بأن يتعرف على أسرته الكبيرة التي تمثلها أعين مشاهدي قنواته في أصقاع الأرض هنا وهناك، صحيح إنه ليس كل ما يذاع مثير للغرائز أو خارج عن القانون ولكن هناك نسبة أكثر في التجاوز والخروج إلى ساحات ما يخدش الحياء. ميثاق شرف وأخيرا.. يقول فكتور سحاب المؤرخ ومدير إذاعة لبنان في بيروت سابقا.. الإعلامي اللبناني: أذكر أن معظم ما نخرج به من مؤتمراتنا ولقاءاتنا الدورية العربية يتلخص في ميثاق شرف خاص سنحدثه بعد كل اجتماع يتم تنظيمه وإقامته هنا وهناك لكنني أرى أن هذه القرارات كأنما هي نفخ في قربة مثقوبة فالانفتاح الإعلامي على الدنيا وعلى الآخر أمر مطلوب ولكن ليس بإباحية فلنا ضوابطنا التي تأتي من دواخلنا ومن ضمائرنا.