بيان الاحتياطي الفدرالي الذي صدر قبل أيام، وكانت الأسواق تترقبه بلهفة، عن الاجتماع الذي عقدته اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في الشهر الماضي، لم يفعل شيئا يذكر للإجابة بصورة حاسمة على السؤال الذي يدور في أذهان كثير من المشاركين في السوق، وهو هل سيرفع البنك أسعار الفائدة الرسمية في سبتمبر، التي ستكون أول زيادة منذ أكثر من 9 سنوات. لا تدل محاضر الاجتماع بالضرورة على أن الاحتياطي الفدرالي يرغب في إبقاء أوراقه قريبة من صدره دون أن يُطلع أحداً عليها. بدلا من ذلك، كانت المحاضر إشارة إلى التعقيد التحليلي للموقف الذي يواجهه البنك المركزي الأمريكي. هناك 4 عوامل واضحة يتبين أنها مثيرة تماما للحيرة لدى مسؤولي البنك، وهو ما دفعهم بالتالي إلى إبقاء خيارات السياسة النقدية مفتوحة على مصراعيها - بمعنى أنه لم يلتزم برفع أسعار الفائدة أو يسحبها من الاحتمالات المخصصة للبحث في الشهر المقبل. العامل الأول هو أن الإشارات من الاقتصاد الأمريكي تتناقض مع الإشارات الواردة من الأسواق الدولية: ورغم أن إشارات الاقتصاد الأمريكي لا غموض فيها، خصوصا بالنظر إلى ضعف التضخم في الأجور، إلا أنه يغلب عليها أن تساند فكرة قيام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة في وقت مبكر، ربما يكون الشهر المقبل. لكن هذه ليست الحال لدى البيانات الدولية. وسواء كنا نتحدث عن أوروبا أو اليابان أو الأسواق الناشئة، فإن الأرقام هناك تشير بوضوح إلى تراجع الاقتصاد العالمي، وتقترح بالتالي المزيد من الحذر في السياسة النقدية. العامل الثاني هو هشاشة الأسواق المالية. شهدت الأسابيع القليلة الماضية ضعفا ملحوظا في عدد متزايد من المجالات. فالظاهرة التي بدأت على شكل اضطرابات محلية نسبيا في سوق النفط وعملات الأسواق الناشئة، توسعت، حيث إنها في البداية أخذت تضغط على سندات الشركات، وفي الفترة الأخيرة على الأسهم. (كمثال على ذلك، عصر يوم الجمعة الماضي هبط مؤشر داو جونز بنسبة 3%.) العامل الثالث هو المدى الذي لم يلتزم فيه الاقتصاد الأمريكي بنماذج الاحتياطي الفدرالي. عدم الدقة في توقعات البنك سوف تعمل على إثارة الأسئلة في أذهان مسؤولي البنوك المركزية فيما يتعلق بمتانة فهمهم للتطورات الاقتصادية. كلما توسع نطاق هذه الأسئلة وطال استمرارها، ازداد شعور مسؤولي البنك العازفين عن المخاطر بالتردد في الشروع في تغيير خط السياسة الخاصة بأسعار الفائدة. العامل الرابع هو التباعد في سياسات البنوك المركزية. مداولات الاحتياطي الفدرالي حول موقف البنك من تشديد السياسة النقدية تتناقض بشكل صارخ مع الموقف التحفيزي الذي تتبعه البنوك المركزية الأخرى. هذا الاختلاف من المرجح أن يتعمق، خصوصا بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وبنك الشعب الصيني. وهناك اعتبار آخر، وهو أن قرار تخفيض العملة الصينية في الأسبوع الماضي يضع الضغط على كثير من عملات الأسواق الناشئة، الأمر الذي يجعل مسؤولي البنك المركزي الأمريكي يشعرون بعدم الارتياح حول أن زيادة أسعار الفائدة تنطوي على مخاطر زيادة قوة الدولار. هذا يمكن أن يعرض للخطر قدرة شركات التصدير الأمريكية على التنافس، ويقوض الانتعاش الاقتصادي الأمريكي. بصورة عامة، لم يكن أمام الاحتياطي الفدرالي خيار سوى أن يظهر بمظهر من يفتقر إلى القوة والعزم، وهو أمر لا يبعث على المفاجأة بالنظر إلى نطاق اللبس الذي يتعامل معه البنك. من هذا الباب سيظل الاحتياطي الفدرالي ممتنعا عن الالتزام بخط معين حتى اللحظة الأخيرة قبل اجتماع السياسة النقدية المقرر في سبتمبر. وحتى يضمن البنك أن تكون خياراته مفتوحة على مصراعيها، فسوف يضاعف الجهود لتحويل انتباه الأسواق بعيدا عن توقيت أول قرار برفع أسعار الفائدة ويوجهها نحو ثلاثة عوامل من شأنها أن تميز هذه الدورة المقبلة من الزيادات في أسعار الفائدة، وهي دورة أصفها بعبارة «أكثر فترات التشديد تراخيا في تاريخ الاحتياطي الفدرالي». هذه العوامل الثلاثة هي: مسار ضحل للغاية للزيادات في المستقبل؛ وعملية اتخاذ القرارات التي تظل تعتمد إلى حد كبير على البيانات؛ وحد أعلى للزيادات في أسعار الفائدة الرسمية يظل دون المتوسط التاريخي.