مع تجدد المخاوف من ارتفاع مستوى التضخم بدأت البنوك المركزية الكبرى في العالم ترسل إشارات توضح نيتها رفع معدلات الفائدة وفي المستقبل القريب. وقد تفجرت مخاوف التضخم هذه في أعقاب الإعلان عن بيانات التوظف في القطاعات غير الزراعية والتي صدرت في شهر مايو/ أيار الماضي. وأكدت هذه البيانات أن أسواق العمل في الدولة بدأت تتعافى بالفعل، الأمر الذي جعل العديد من الخبراء يتوقعون أن يبادر مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يبادر إلى رفع معدلات الفائدة قصيرة الأمد بعد أن اكتملت معطيات التعافي الاقتصادي للدولة. بالإضافة طبعاً إلى الارتفاع الحاد في أسعار النفط الخام العالمية الذي أدى بدوره إلى تأكيد مخاوف التضخم. لكن وفي الوقت الذي يبدو فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أتم الاستعداد للبدء في رفع معدلات الفائدة قصيرة الأمد في القريب العاجل، نجد أن المركزي الأوروبي من طرفه يؤكد أنه لا ينتوي رفع الفائدة، هذا على الرغم من أن جان كلود تريشيه رئيس المركزي الأوروبي يقر بتنامي مخاوف التضخم التي تواجه الاقتصاد العالمي. وقال تريشيه أن مهمة البنك في المرحلة المقبلة ستكون الحد من انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الضغوطات التضخمية في دول الاتحاد الأوروبي. ويتوقع الخبراء أن ينتظر المركزي الأوروبي لفترة لا تقل عن 6 أشهر قبل اتخاذ أي قرار لتغيير سياساته النقدية. وربما يكون من الأنسب أن يؤجل المركزي الأوروبي قرار التدخل في السياسات النقدية برفع معدلات الفائدة حتى تظهر انعكاسات ارتفاع أسعار السلع على جوانب اقتصادية أخرى، أي في حال تسبب ارتفاع أسعار البترول مثلاً في زيادة تضخم الأجور. وبحسب البيانات الحديثة فنحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، فالارتفاع الأخير في أسعار النفط الخام لم يكن له حتى الوقت الراهن انعكاسات حادة على الاقتصادات العالمية. وتعتبر معدلات الفائدة قصيرة الأمد أحد أهم أدوات البنوك المركزية للتأثير على حركة الاقتصاد، حيث تبادر البنوك المركزية إلى رفع معدلات الفائدة قصيرة الأمد عندما يشعر بأن الاقتصاد ينمو بسرعة كبيرة وينتابه القلق من ارتفاع مستوى التضخم. أما في حال واجه البنك مخاوف تباطؤ النمو أو الركود فإنه يبادر إلى خفض معدلات الفائدة قصيرة الأمد بهدف حفز النمو الاقتصادي. ومن جهة أخرى يبدو من الواضح أن خيار رفع معدلات الفائدة هو الأنسب بالنسبة للصين في المرحلة الراهنة، حيث تحتاج الدولة إلى تهدئة فورة النمو الاقتصادي الهائل الذي يشهده التنين الصيني، خاصة أن جهود الدولة جميعاً في هذا الصدد قد باءت بالفشل. ومن الطبيعي أن تشعر الصين بالقلق إزاء القوة الهائلة التي ينمو بها الاقتصاد خاصة وقد نمت الاستثمارات الثابتة بنحو 170% في بعض القطاعات، وبلغ نمو الإقراض المصرفي في الدولة نحو 40%. إذاً من المتوقع أن تبادر السلطات النقدية في الولاياتالمتحدةوالصين إلى رفع معدلات الفائدة قصيرة الأمد وفي المستقبل القريب. وربما يكون السؤال الأهم هو أي القرارين سيكون له تأثير أكبر في الأسواق؟ يرى خبراء الاقتصاد أن نية الصينوالولاياتالمتحدة برفع معدلات الفائدة قصيرة الأمد كان لها بالفعل انعكاساتها على الأسواق العالمية، حيث أدت بالفعل إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية، وخاصة سندات الخزانة الأمريكية، كما تعثر أداء أسواق الأسهم في مختلف أنحاء العالم. وكانت الأسهم عالية المخاطرة هي الأكثر تضرراً. وبالإضافة إلى ذلك فإن العملات التي استفادت من قيام العديد من المستثمرين بالاقتراض بالدولار الأمريكي وتوظيف قروضهم في استثمارات أخرى خارج الدولة للاستفادة من انخفاض معدلات الفائدة، مثل الدولار الأسترالي والجنيه الإسترليني تراجعت بحدة. ويخشى الخبراء من انعكاسات قرار وضع الفائدة في الصين على أسعار المعادن ومواد البناء بعد تراجع الطلب على هذه المواد. ويرى الأكثر تشاؤماً أن الوضع في الولاياتالمتحدة أشبه بما شهدته الدولة عام ،1994 عندما ازدادت الضغوطات التضخمية وأجبرت مجلس الاحتياطي الفيدرالي على مضاعفة معدلات الفائدة لتصل إلى 6%. وأدى ذلك إلى تدهور حاد في أسواق السندات. ولكن من المؤكد أن هكذا قرار يستدعي في الوقت الراهن القلق فاثنان من أكبر اقتصادات العالم يوشكان على تشديد السياسات النقدية، الأمر الذي سيكون له ومن دون شك انعكاساته على النمو العالمي، وإن كان ذلك يعتمد على حجم الخفض وعلى سرعته. مخاوف من ارتفاع التضخم في العديد من البلدان