قبل سنوات كانت من أصعب اللحظات في حياتي أني أتذكر لسعة دبور جعلني رهين الفراش أياما، وكلنا ربما مررنا بهذه الظروف التي تقلب الصحة مرضا، والأنس حزنا، ولكن ربما تبقى في المقابل أصعب المفارقات أن تجتمع كلمتان في جملة وهما غير متجانستين، فالعش هو موضع الاستقرار والحب والأمن، وما تطلق كلمة العش إلا ويتبادر للذهن عش البلبل، وعش الطيور، وحين استخدمت في الابجديات الشامية أطلقت «عش البلبل أو السرايا» على أشهى الحلويات الرمضانية وهي مجازا سميت بذلك لطيبها وعذوبة طعمها وقربها من القلوب، والسينما المصرية جعلت من عش البلبل فيلما تدور أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي حيث سائق التاكسي (سعد الصغير) الذي يحلم بتحقيق أمنيته الوحيدة في أن يصبح مطربا شعبيا مشهورا. ويجد نفسه في مقابل ذلك يتطرق إلى حياة العوالم والراقصات ومشاكلهن حيث يتعرف على الراقصة (دينا) التي تساعده في صعود سلم المجد خطوة بخطوة ويتعرض لحرب شرسة من المنافسين له. والعش يبنى غالبا من مواد عضوية مثل الأغصان والأعشاب والأوراق وقد يكون ببساطة حفرة في الأرض أو ثقبل في شجرة أو صخر أو بناية. بعض المواد المصنعة من البشر مثل الخيوط والبلاستيك والقماش والشعر والورق قد تستعمل أيضا في بناء العش للطيور والذي يرمز للمأوى الذي تستقر وترتاح فيه، أما الدبابير أو كما يقال «زنابير» فهي مصطلح على حشرة من غشائيات الأجنحة، وهذه الحشرة التي ليست من النحل أو النمل أنواع يصل تعدادها إلى 100 ألف كل نوع من الآفات الحشرية نوع مفترس مما يجعل لعالم الدبابير دورا هاما في التحكم في أعداد الآفات، ولعل استخدام الدبابير الطفيلية شائع عند الزراعيين في مكافحة الآفات الزراعية التي تفترس الآفات الحشرية، والدبابير نوع انفرادي وآخر جماعي ويجمعها خطر لسعتها الماكرة. ولعل مؤسساتنا لا تخلو من عش الدبابير ومن آفاتها خاصة إن سمح القدر أن يكون أحد أفرادها ذا منصب ليجمع حوله أشرس الدبابير سما ولسعا ليكونوا البوق والصوت الاخر له، وما من خطورة على أي مؤسسة خاصة أو عامة من تنصيب ذاك الدبور الذي يوضع في موقع لا يستحقه وهي علامة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وعدها من علامات الساعة فقال: «أن يوسد الأمر إلى غير أهله»، ولعل من سمات عش الدبابير داخل أي مناخ التالي: * إبعاد الكفاءات واختيار أصدقاء للدبور الأكثر شراسة لتحكيمه في رقاب الآخرين ومصيرهم، ولفرض سيطرته وهيبته بسهولة على الأتباع الذين يمتلكون السمّية الضئيلة، ويسعون إلى تضخيمها مهما اختلفت واختلت السبل إطلاق يد الدبور الأكبر، وتلميع صورته بشتى الوسائل الممكنة، صحافة، تلفزيون، أخبار مصورة، نشر وبث شائعات حول عطاءات له، أعمال قد لا يكون قد قام بها أصلا، لأنه بالتالي صدى لدبور أكثر ضخامة، يقف خلفه في السر والعلن، ولما تضخم دبورنا وازداد قوة واتساعا، كلما تضخم الدبور المعلم وازداد سلطة وتسلطا على كل محيطه الكبير والصغير أيضا. * أن يعيش الدبور ومن خلال أزلامه في العش يضرب بيد من حديد، أي خصم له وأي شخص يفترض فيه الخصومة، حتى وإن لم يكن كذلك، فسر البقاء على رأس السلطة في العش، أن لا يكون هناك منافسون على الاطلاق، وأن يكون كل القاطنين في العش، أو في محيطه مجرد أتباع صغار لا أكثر، مبيعي ذمة، وانتماء للدبور إياه، لكي تستقيم بين يديه الأمور. * أن يقبل الدبور إنشاء أعشاش رديفة حول سلطته يريد بذلك التوسع والسيطرة بدافع الجشع والطمع، وفي تمدد الأعمال الإرهابية لتنظيم داعش أكبر مثال، حيث تقوم دبابيره الصغيرة بدعم لوجيستي لإثبات وجود الدبور الأكبر، وقد يلعب صغار الدبابير دورا في تحصينات خطوط متقدمة للدفاع عن الدبور الأكبر، والتطبيل والتزمير له، هذه الأنواع من أعشاش الدبابير تنتشر في عصرنا وفي كل زمان، وكذلك في الأحياء، وفي المدن، وفي المؤسسات أيضا، وأكثر ما يخشى على المجتمعات انتشاره في مؤسسات فاعلة، عندها يكون وجوده تهديدا حقيقيا للمستقبل، ومن يراقب بكثب يجد أن أعشاش الدبابير تواجدت بقوة في سقوط سوق الأسهم أو إسقاط من عرف بفضله وعلمه. وأظن عبارة عش الدبابير لا تصلح على الإطلاق، فاستبدالها بكلمة «وكر الدبابير»، سيكون منصفا أكثر لواقع حال سيطرت فيه الأنانية على كل معاني الإنسانية، والبطش على السلم، والإرهاب بكل أنواعه على الأمن.