كثيرا ما تساءلت عن أسباب ماحدث مؤخرا في بعض دول أوروبا من قبل السياح الخليجيين!!، فهل هي الصدمة الحضارية التي تحدث لبعض المسافرين إلى أوروبا ليصبحوا في حالة لاتوازن نفسي؛ وبدلا من أن يكونوا سفراء مثاليين لبلدانهم يتحولون إلى عابثين بكل شيء؛ القوانين والأنظمة والممتلكات والمرافق العامة؛ وكأنهم يعبرون ضمنا عن حالة من دهشة غريبة عجيبة؛ حولت السياح الخليجيين إلى (سالفة) للإعلام الأوروبي، يلوكهم في قنواته صباح مساء؛ سخرية واستهزاء ونقدا لاذعا!!. إنها محاولة مبدئية لتفسير مايحدث من ممارسات وسلوكيات يظهرها عدد كبير من الخليجيين هناك؛ في البلاد (الأورباوية) كما كانت تسمى سابقا لدينا نحن العرب؛ وحينما أفسر ممارسات البعض بالصدمة الحضارية فأعني أن هؤلاء المتجاوزين قوانين هذه الدول وأنظمتها، والعابثين بسمتها وكيفيات حياتها لم يكن لديهم الوعي بالطرف الآخر من العالم؛ فقد سافروا بما جبلوا عليه في مجتمعاتهم؛ واعتقدوا أن العالم بأسره صورة مستنسخة من مجتمعهم؛ وبالتالي فهم يجيزون لأنفسهم فعل كل الممارسات التي لا يعاقبهم مجتمعهم على فعلها ولا يستنكرها منهم؛ وتلك هي الحقيقة المرة بحيث يسافر أحدهم إلى دول لا يطلع على أنظمتها وقوانينها وكيفية معيشتها؛ وبطبيعة الحال أنا لا أعمم الحكم هنا ولكنني أخص الذين شوهوا صورتنا بممارسات وسلوكيات معيبة. قبل أيام كنت أجوب الدول الأوروبية وأستمتع بما فيها من طبيعة جميلة؛ أو أماكن تاريخية؛ وما إلى ذلك؛ وقد كنت أرى بعيني الهجمة السياحية الخليجية في أماكن معينة؛ كمدينة زيلامسي النمساوية التي لم أطق البقاء فيها أكثر من سويعات؛ تبعا لما شاهدته من ربكة في كل شيء؛ ربكة في بحيرتها الساحرة؛ ربكة في أسواقها ومطاعمها بعد أن تحولت بقدرة قادر إلى (مندي) و(مظبي) و(برياني) وسميت بأسماء عربية جذبا للسائح الخليجي خاصة؛ ولنا أن نقيس على ذلك باقي المظاهر كأشكال السيارات الغريبة بلوحات الدول الخليجية؛ وقد طبعت عليها أرقام الهواتف الشخصية؛ وحسابات الإنستجرام؛ والتويتر؛ والسناب شات؛ أو كتبت عليها أبيات شعر مقززة؛ وغير ذلك؛ وهي مظاهر واضحة لعقول فارغة وأناس مستهترين يعتقدون أن المال يشتري كل شيء حتى أنظمة الدول وقوانينها. كنت في بداية الصيف وعلى هذه الصفحة نبهت في مقال لي تحت عنوان (فضلا لا أمرا ياسعادة السفير) إلى أن المواطن هو سفير لوطنه وعليه واجبات يجب أن يلتزم بها ليعطي صورة مشرفة لنفسه أولا ولوطنه ثانيا؛ وقد شددت فيه أيضا على كيفيات التوعية بأصول السياحة والسفر واقترحت مايلي لتوعية من يظنون أن بلاد الدنيا كلها مرتع لحماقاتهم وجهلهم؛ كأن يكون للإعلام المرئي والمسموع حضورهما الفاعل في هذا الجانب، عبر البرامج التوعوية السريعة والمؤثرة وغير التقليدية المملة؛ وعلى أن تكثف في مواسم السفر، ثم النشرات التوعوية التي يجب أن توزع في مكاتب الجوازات؛ وتُلزم بتوزيعها مكاتب السفر؛ والمطارات الداخلية؛ والمنافذ الحدودية؛ بشرط عمل خطة منظمة لتوزيعها وضمان وصولها لكل مواطن مسافر؛ أما ثالث المقترحات فيتمثل في ضرورة استثمار مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات حكومية رسمية لبث مثل هذه الرسائل التوعوية بشكل متواصل، أما المقترح الأهم، فهو سن قوانين تُجَرّم من يثبت عليهم عمل مثل هذه الممارسات المسيئة لأنفسهم ولبلدانهم؛ بعد أن لاحظنا الجرأة المتناهية من بعض المواطنين، الذين يسيئون التصرفات والسلوك ويوثقونها بأنفسهم عبر الصور وعبر مقاطع الفيديو، وكأنهم يفاخرون بالإساءة لأنفسهم ولأوطانهم، وتلك مصيبة وأيُّ مصيبة؛ ولا أنسى الدور الكبير المنوط بالسفارات وواجبها تجاه توعية مواطنيها؛ وحثهم المتواصل على احترام السياحة بمفهومها الراقي المتحضر في تلك البلدان التي يمثل الالتزام بالأنظمة فيها إيقاع حياتها المتفرد.