تصدر أعمدة الكرسي صريرا مؤلما، وأنا أزحزحه لأرمي بجسمي المثقل بهموم جبلية، جمجمة رأسي متصدعة، والقهر يندفع من خلال أعصابي المتشعبة، أضغط بأصابعي صدغي، أختار كأس شاي لعله يهدئ من ضجيج الصداع، وأطلب «سندويش» بيض مسلوق، أنظر إلى سيارتي التي تهرأت مفاصلها، والعامل مختف جسمه الأعلى تحت باطن السيارة، أحدق في المستوصف الصغير والفناء الواسع بجواره يحيطه السور الكبير المجاور للشارع الممتلئ بالحفر الكثيرة. أبحث عن الحفرة العميقة المتوارية التي سقطت فيها سيارتي، فأخذت تعوي وتعرج في مشيتها، وأنا ألعن المتسببين في تلك الحفر التي ما إن يطمرون إحداها فتبزغ أخرى، وكأنها حفر متسلطنة! أخرج محفظتي التي امتلأت بآخر الأوراق النقدية التي سحبتها من جوف الصراف! ثلاث ورقات وردية من الفئة المتوسطة، وورقتان ورديتان صغيرتان، وبعض الأوراق الخضراء البائسة، ولم يتبق على مجيء الراتب عشرة أيام. يتقلص بلعومي، وتزداد جمجمتي تصدعا، وفجأة ترن رسالة من جوالي الصغير (أبو لمبة): أحضر معك حفاظات! أحسُ أني أسقط في حفرة عميقة جدا، تتكور كفي وتضرب الطاولة البلاستيكية، فيهتز كأس الماء ويطفح بتوتر، كريات دمي شظايا، أنا معلق فوق مقصلة، هل سيأتي مارد ويفك رقبتي من الحبال الملتفة حول عنقي؟ المتطلبات حولي مثل ألغام، لا أدري متى ينفجر أحدها حتى يتبعه الآخر؟ الحياة سلسلة من الأنفاق الحلزونية، ولا أستطيع التوقف أو الحياد فيها، صارت المدينة فم تنين يبتلع الناس البسطاء، الساندويش تحول إلى قطعة خشبية، أستدعي الجرسون لإحضار مزيد من السكر، يرمقني باندهاش، لكن أكياس السكر لن تزيح هذه المرارة في داخلي. أتناول صحيفة محلية، أفتشها، وأقلب الصفحات، صور قتلى، جرحى، انتخابات دولة يفصل البحر بيننا، تعزيات، نفاق، الأوضاع في البلاد المجاورة، موت راقصة، انتقال لاعب بالملايين. أبحثُ عن مربع صغير يحكي عن ألمنا، عن شقائنا، أصرخ: دجل نفاق استهتار... أبصق بعنف، فتسقط على كلمات "تُعنى بالشؤون المحلية"... يحاولون إخفاء هذه الحفر المتشابكة التي لا تنضب! يدخل مدير الورشة برقبته الممتدة فرحًا، يرمي لغما حولي، يستحيل الجو إلى كرات حمراء داكنة، أفتح محفظتي أناوله المفتاح الاحتياطي: السيارة رهينة لديك حتى موعد الراتب! يفتح فمه عن آخره! فأخرج، وأسير في الشارع، وأسقط في حفرة، وأخرج بصعوبة لأسقط في أخرى أشد عمقًا!