يسمونهم قادة الرأي. والسؤال: هل يوجد أي أثر لهؤلاء الكُتّاب؟ والجواب (لا) كبيرة بحجم الخيبة. وكأن هناك من يريد القول لهم بأنكم مجرد جزء من ديكور المشهد. وأن كل ما تكتبونه لا يمكن أن يخلق حالة رأي عام يُعتد بها. إذ لم تزحزح كل تلك الأنهار من الحبر المندلق يومياً في الصحف لا المجتمع ولا صانع القرار السياسي ولا حتى الأفراد خطوة واحدة بأي اتجاه. وكأن الكتابة المقالية في الصحافة مجرد ترف يستعرض بموجبها الكاتب شيئاً من ثقافته كما يعلن بعض آرائه ويسجل مواقفه الشخصية إزاء القضايا المطروحة. آلاف المقالات كُتبت للتنبيه من خطورة التعصُّب الرياضي وإعلام النعرات والغرائز الذي يصاحب ذلك المنحى المدمر. إلا أن المواجهات في الملاعب انتقلت إلى المدرجات وزحفت باتجاه السياقات الاجتماعية. حيث لم يسبق أن وصل السعار الرياضي في مجتمعنا إلى هذا الحد. وكل ما سطَّره الكُتَّاب في هذا الصدد لم يحد لا من هيجان الجماهير ولا من تلاسن الإداريين ولا حتى من تراشق الإعلاميين. كذلك انشغل الكُتَّاب بقضية التحرش التي تطل بين آونة وأخرى إثر كل حادثة. وكتبوا تحذيراً وتنبيهاً واقتراحاً. ولكن القضية ما زالت تُلاك في الإعلام بدون أن يرتدع المتحرشون. وبدون أن يتأهب المشرعون لسن قوانين تحاصر هذه الظاهرة البغيضة. فيما تنهمر المقالات المستبشرة واليائسة والمحتارة التي تنكتب على إيقاع محاولات دون كيخوته في منازلة طواحين الهواء. وربما لم يتوقع الكُتَّاب أن يقفز مجلس الشورى على كل ما كتبوه حول قانون الوحدة الوطنية. وألا يلتفت لكل تلك المقالات التي جاءت معظمها في صيغة مطالبات خصوصاً بعد أن ارتفع منسوب الخطر الذي يهدد النسيج الوطني. وهو ما يعني أن المجلس لم يكلف نفسه عناء قراءة أي مقالة في هذا الصدد. أو أنه لا يأبه ولا يعترف بوجاهة الآراء المطروحة في الصحافة بأقلام يفترض أن بعضها يمثل النخبة أو أهل الاختصاص. لا تخلو جريدة يومياً من حزمة من المقالات المندّدة بالطائفية. ولا يوجد كاتب من كتَّاب الرأي إلا وأدلى بدلوه الفكري والعاطفي والوطني وحتى العقائدي في هذا الشأن. إلا أن الملاحظ هو تمدُّد التشوه الطائفي. وكأن القارئ/المواطن يقرأ تلك المقالات التي تحاول تقويض الفكر الطائفي والحد من تأثيره بالمقلوب. يمكن هنا استعراض مئات القضايا التي تناولها كُتَّاب الرأي خلال السنوات الماضية توصيفاً وتحليلاً وتحذيراً بدون أن يُبت فيها. كما يمكن استدعاء متوالية من الكُتَّاب الذين يؤدون في مقالاتهم دور الواعظين لتمرير بعض وجهات النظر العرضية. ولكن يصعب، بل يستحيل استحضار تشريع أو قانون مؤسساتي واحد تم اعتماده بموجب ما أدّاه كُتّاب الرأي. كما يتعذر التقاط أي أثر لكل تلك المقالات على سلوك الناس أو على المؤسسات لتحسين أدائها. هناك خلل ما فيما يؤديه كُتَّاب الرأي سواء أولئك الذين احتلوا زاوية في جريدة بمقتضى صدفة أو صفقة مع القائمين على الجريدة. أو أولئك الذين يشكلون بالفعل منظومة من المثقفين المتخصصين في مختلف الحقول. كما أن القراء المعنيين بالمقالات غير مبرئين من ذلك الخلل. إذ يميل القارئ إلى الكاتب الذي يُسمعه صوته الداخلي ويعزز قناعاته. ولا يحتمل مطالعة مقالات من يحاوره في معتقداته وأفكاره. كما أن كل وزارة - مثلاً - تحتفظ بشخص أدائي مهته نفي ما يُنشر عن الوزارة أو استقطاب الكاتب الذي حاول النبش في برامج ومنجزات الوزارة بدعوات خاصة للاطلاع عن قرب على ما لا نراه من أمجاد. كم قاتل كُتَّاب الرأي لإثارة جُملة من القضايا الهامة المتعلقة بالإسكان والمرور والبلديات والبنوك والسياحة والصحة والعمالة المنزلية والمطارات. بدءاً من كاميرا الجوال، مروراً بتغيير الإجازة إلى يومي الجمعة والسبت، وصولاً وليس انتهاء بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء. إلا أن كل ما أُقر من قوانين في هذا الصدد لم يُسجل في رصيد كُتَّاب الرأي. على الرغم من أن بعض ما كتبه بعض الكُتَّاب في مختلف القضايا يشكل أطروحات تنموية واستراتيجية على درجة من الأهمية. وكأن كل الجهات المعنية أفراداً ومؤسسات تريد القول إن كل ما تكتبونه لا نطالعه ولا نهتم به.