كلما ارتفعت شعبية الكاتب الجماهيري ازداد قراؤه فقراً وقهراً، على الرغم من أنه قد نذر كتاباته للدفاع عن حقوقهم وإثارة قضاياهم في الفضاء الإعلامي للضغط على صانع القرار السياسي. والارتباك الحاصل في هذه المعادلة لا يتحمله وحده عندما أوهمهم بأنه سيحول همسهم إلى صراخ، وأنينهم إلى قضايا رأي عام، إنما يتحملون هم بعض ذلك الخلل عندما عينوه ناطقاً رسمياً باسمهم، لدرجة أن بعض الكتاب صاروا يكتفون بعرض رسائل القراء مسبوقة بعبارة تدل على تبني رأي مرسلها والتصديق على كل ما جاء فيها. القارئ الذي يغادر موقع القراءة ليتخذ موقف المواطن، لا تهمه براعة الكاتب ولا أسلوبه ولا طريقة عرضه للموضوع المطروح للمجادلة، بقدر ما يعنيه أن يرى قضيته مطروحة في الإعلام، وهو ما يفسر امتلاء بريد الكاتب بأكوام من الرسائل المحتقنة بالشكوى والمطالب والاحتجاجات. إذ يتخيل هذا الصنف من القراء أو المواطنين بأن الكاتب يمتلك تلك العصا السحرية لحل كل مشاكل الوطن بمقالة، لدرجة أنهم يتخيلون بأن هذا الكاتب أو ذاك لديه من السلطة والقوة والحصانة ما يمكن بها مقارعة صانع القرار السياسي والتأثير عليه. إن القارئ الذي يغادر موقع القراءة ليتخذ موقف المواطن، لا تهمه براعة الكاتب ولا أسلوبه ولا طريقة عرضه للموضوع المطروح للمجادلة، بقدر ما يعنيه أن يرى قضيته مطروحة في الإعلام، وهو ما يفسر امتلاء بريد الكاتب بأكوام من الرسائل المحتقنة بالشكوى والمطالب والاحتجاجات. إذ يتخيل هذا الصنف من القراء أو المواطنين بأن الكاتب يمتلك تلك العصا السحرية لحل كل مشاكل الوطن بمقالة، لدرجة أنهم يتخيلون بأن هذا الكاتب أو ذاك لديه من السلطة والقوة والحصانة ما يمكن بها مقارعة صانع القرار السياسي والتأثير عليه. ولأنهم على تلك الدرجة من الضعف والعوز والهوان صاروا يسبغون على كاتبهم المفضل صفة البطولة، ويعتبرونه الأقدر على تلبية احتياجاتهم اليومية، وتخفيض أسعار السلع، وإصلاح الخدمات الطبية، وتعديل اختلالات النظام التعليمي، وإقناع الحكومة بزيادة الرواتب، من خلال مقالة أو سلسلة مقالات. فيما استمرأ الكاتب النجم أداء دور البطل، وصار يُسمعهم أصواتهم وأنينهم داخل مقالاته التي لا تتعدى فكرة إتقان لعبة تأجيل الاستحقاق وإطفاء جذوة الوعي. إنهم لا يؤمنون بالكلمة كأداة لإثارة الوعي، بقدر ما يريدون من يحمل همومهم عنهم. وهو بالمقابل لا يؤمن بالصحافة كسلطة مقابل سلطة، بل كمسرح للتسلية وتمثيل دور البطل. ولذلك تخلو مقالاته من المعلومة والمعرفة والمعالجة الجادة، كما تفتقر إلى القيم الجمالية الموجبة لإثارة الوعي وتخفيض منسوب الجهل، ولذلك تراه يمالئ الجو العام بمقالات إنشائية أشبه ما تكون بالدعاية المجانية المستبطنة والصريحة أحياناً لجهة ما من الجهات. ولا شك أن هذا الفصيل من الكتاب ينتمون إلى من يعرفون براكبي الأمواج. حيث يمتلك القدرة على قراءة المشهد وتعبئة فراغاته بالصراخ. بمعنى أنه يتقدم مظاهرة لا تُفضي إلى شيء. وهو يعلم علم اليقين بأن ما يؤديه في مقالاته ليس أكثر من نفخ في الهواء. وأن الجمهور الذي يهتف به ويتداول مقالاته لم ولن يحصل على ما هو أكثر من حق الصراخ. إنه كاتب يعي جيداً نصيبه من الكعكة الإعلامية. فهو يتقن شروط لعبتها ولا يخل أبداً بقانون ما يجب وما لا يجب أن يُقال، لأنه يعرف السقف المسموح بالمزاح تحته. ولذلك يتفنن في إيهام القارئ وخداع المواطن بأهمية تحريك الخطوط الحمراء إلى الوراء وتحشيد الجماهير في كتلة بشرية باردة، بحيث لا يسمح للقارئ بتحليل خطابه، حتى عندما يُشاهد مع أحد صنّاع القرار في مناسبة باذخة لا يجرؤ أحد على مساءلته عن معنى وجوده مع القاهرين وعدم حضوره أي مناسبة للمقهورين. شهرته تتعاظم، وثروته تكبر، ومكانته الاجتماعية تتمدد، فيما يظل قراؤه في بؤسهم وشقائهم. وهو بهذا اللعب المكشوف يشبه الممثل الذي يحضر إلى الحارة الشعبية لأداء دور تمثيلي عن الفقر والفقراء، فالحياة بالنسبة له عبارة عن فيلم يمثله الأغنياء عن بؤس الفقراء فيحصدون المال والجوائز والنجومية فيما يبقى الفقراء في القاع. [email protected]