رفضت عائلة زعيم حركة طالبان أفغانستان الراحل الملا عمر مبايعة خلفه "الملا منصور" ودعت العلماء الى تسوية خلاف يتفاقم في اوساط مقاتلي حركة طالبان بخصوص انتقال السلطة. وقد اختير الملا منصور زعيما جديدا لطالبان، الجمعة، بعد الاعلان عن وفاة سلفه الذي قاد طالبان طوال 20 عاما، لكن سرعان ما برزت الخلافات بين منصور والذين رفضوا اختياره ومن بينهم نجل الملا عمر، يعقوب وشقيقه الملا عبدالمنان الذي صرح في رسالة صوتية نشرت أمس الأول ان "عائلتنا لم تبايع احدا وسط هذه الخلافات" من دون تسمية الملا منصور. واضاف "نريد من العلماء حل الخلافات عوضا عن مبايعة اي طرف كان"، وذلك في التسجيل الذي اكدت مصادر في طالبان انه فعلا لعبدالمنان. ودعا منصور أنصار طالبان الى الوحدة، وذلك في رسالته الصوتية الاولى منذ تزعمه الحركة التي تشهد اسوأ ازمة قيادة لها في السنوات الاخيرة. وهدفت تعليقاته على ما يبدو الى تفادي انقسام الحركة فيما يتفاقم الخلاف حول اتجاه محادثات السلام مع الحكومة الافغانية. وانسحب يعقوب وعدد من اعضاء مجلس قيادة طالبان من الاجتماع الذي اعلن فيه تعيين منصور زعيما جديدا، ورفضوا مبايعته، بحسب ما نقلت "فرانس برس" عن "مصدر في طالبان". واضاف "يشعر قسم من اعضاء التمرد بالاضطراب ويحتاج الى اجابات من منصور وحلفائه: فلماذا أخفوا وفاة الملا عمر طوال سنتين؟ هل خدعونا عبر اصدار تصريحات مضللة باسمه لخدمة مصالحهم؟". كما يعارض الكثيرون ما يعتبرونه ضغطا من باكستان لاجبار طالبان على اجراء محادثات سلام مباشرة مع الحكومة الافغانية. ويعتبر منصور ونائباه المعينان وهما هبة الله اخند زاده وسراج الدين حقاني مقربين من المؤسسة العسكرية الباكستانية التي دعمت تاريخيا طالبان. ويعتبر الملا منصور برغماتيا ومؤيدا لمحادثات السلام ما يزيد الامال في ان يمهد انتقال السلطة لانهاء حرب افغانستان المزمنة والدامية. لكن وفاة الملا عمر ألقت بظلها على عملية السلام الحساسة، وادت الى ارجاء الجولة الثانية من المحادثات التي كان انعقادها مقررا يوم الجمعة الماضي في باكستان. من جهة أخرى، دعا نائب الرئيس الافغاني زعيم الحرب السابق الغريب الاطوار الجنرال عبدالرشيد دوستم الى مواجهة حركة طالبان، ولم يستبعد في نفس الوقت التحالف مع أعداء الأمس. وقال الزعيم المتقدم في السن "سنطرد طالبان من ولاية فارياب!"، جالسا على كنبة مريحة فيما القى على كتفيه سترة تحمل علامة متاجر "ميسيز" الاميركية بالرغم من القيظ في جوزجان، معقله في شمال افغانستان القريب من تركمانستان ومن فارياب حيث يستهدف المقاتلون الجيش والشرطة. وينوي الجنرال البالغ 61 عاما الذهاب تحديدا الى فارياب بصفته نائبا للرئيس وليس زعيم حرب معروفا بقسوته اثناء الحرب الاهلية في التسعينيات. وقال انه عند وصوله "سأشجع الجميع وسنستعيد" المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. واضاف "سترون، النساء سيرشقن طالبان بالحجارة!". وحتى وسط طبقة سياسية افغانية اجازت لعدة زعماء حرب بتغيير مسارهم، يفاجئ عبدالرشيد دوستم الزعيم الوحيد للاقلية الاوزبكية بحسه المسرحي. فهو يستقبل الزوار في مقره في شيبرغان، كبرى مدن جوزجان، الذي تملؤه صوره على لوحات من ثلاثة امتار بمترين معلقة على الجدران وعلى شارات مثبتة على كتفي عناصر حرسه الخاص. وردا على سؤال حول رايه في المفاوضات مع طالبان اشار الرقيب الى انه لا راي واضحا له في استئناف المحادثات بالرغم من الانقسامات في اوساط الحركة المتشددة واعلان وفاة الملا عمر زعيم طالبان افغانستان. لكنه اكد "ان ارادت حركة طالبان السلام فنحن مستعدون". وحين يسأل عن الرئيس اشرف غني يجيب مؤكدا بثقة تامة "انا من جعله يفوز في الانتخابات (...) انا صانع الملوك". اما عن هجوم طالبان في فارياب فيقول "انني أنبه الحكومة منذ ستة اشهر حول هذه المسالة". لكن هذا التبجح لا يقلل من الثقل السياسي والعسكري الكبير للجنرال دوستم. وهو ينوي تسخير شعبيته لمكافحة طالبان، ولو استدعى ذلك التحالف مع اعداء الامس، على غرار عطا محمد نور، زعيم الحرب السابق من اقلية الطاجيك والرجل القوي في ولاية بلخ المجاورة لجوزجان. فبعدما كان الرجلان متحالفين ضد طالبان في التسعينيات، تصاعدت الكراهية بينهما لتصل الى اشتباكات عنيفة بين قواتهما من اجل السيطرة على مدينة مزار الشريف بعد سقوط نظام طالبان في 2001. وبعد 13 عاما يبدو انهما قلبا هذه الصفحة. وتذهب الشائعات حتى الى تحالف دوستم ونور للدفاع عن منطقتهما في الشمال. لكن مصدرا مقربا من دوستم ينفي ذلك متحدثا عن "تعاون" بين مقاتليهما "على المستوى المحلي". عسكريا يمكن للجنرال دوستم الاعتماد على القوات الحكومية، حيث نشرت كابول "حوالى 5000 جندي" في فارياب، الولاية التي لطالما تمتعت بالاستقرار حتى باتت ساحة معارك شرسة بالرغم من المحاولات المؤخرة لعقد محادثات سلام بين كابول وطالبان. لكن في بلد يمكن لكل زعيم حرب فيه الاعتماد على ميليشيا تابعة له بات دوسم عالقا بين طرفين. فكونه نائبا للرئيس لا يمكنه تزعم قوات خارج السلطة. لكنه من جهة اخرى يؤكد ان "9000 متطوع مستعدون لمقاتلة طالبان في فارياب" مضيفا "لكن ماذا يسعني ان افعل؟ فالرئيس (اشرف غني) لا يجيز" تشكيل ميليشيات. لكن الرجل السعيد بعودته الى الساحة الوطنية يرضخ لهذا القرار، ويستعيض عن الميليشيا بتقديم مساعدة مادية للجيش.