كثر الحديث عن التحرش بالنساء في وسائل الاعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ومن قبله كان الحديث عن التحرش بالاطفال وتحرش الأجانب بالمواطنات، والطامة الكبرى ما كشفه المؤشر الإحصائي لوزارة العدل، حيث أعلن أن المحاكم الجزائية استقبلت في العامين 1435-1436ه عدد (3982) قضية تحرش وإيذاء، بمعدل 6 حالات تحرش يومياً، وهي تمثل حالات تحرش بالنساء والأحداث، وربما أن حادثة التحرش بفتاتين في جدة وحادثة التحرش بفتاة في الطائف لم تدرجا - بعد - ضمن تلك الإحصائية، البعض أرجع ذلك الشطط المسلكي الضار بالفرد والمجتمع إلى عوامل عدة، منها البطالة والتسيب الأسري وضعف الوازع الديني، والبعض الآخر رجح عوامل أخرى، وفي هذا السياق توقفت عند دراسة أعدها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن أسباب تفشي هذه الظاهرة، وقد أجريت الدراسة في جميع مناطق المملكة، وشملت عينة مقدرة من الشبان والشابات من عمر 18 فما فوق، وأظهرت أن 85.5% من العينة قالت إن تعمد إظهار المرأة زينتها هو ما حدا بالشباب إلى التحرش بهن، وفي الواقع ذلك يؤكد صحة التعاليم والاتجاهات الشرعية في عدم إظهار المفاتن والتزين في الأماكن العامة، وفي مسألة الوازع الديني تفيد الدراسة أن 91.9% من العينة ترى أن ضعف الوازع الديني من أهم الأسباب المؤدية الى التحرش، وهذا يدعو لطرح التساؤلات التالية: أين ذهبت قيمنا؟ وماذا أنتجنا خلال عقود من (التربية) والتعليم وتلقين الأجيال موروثات اجتماعية ونصوص ينبغي ألا تصل بهم الى مثل هذه النسبة المأساوية؟، وهل كانت أساليب وطرق التربية والتعليم تحرص على الربط بين الدين والاستقامة؟ وهل نجحت تلك الأساليب والطرق في تقديم القيم والمثل العليا على الغرائز والشهوات؟. في تلك الدراسة وهي تتقصى أسباب التحرش ظهر أن 79.9% أشاروا الى أن عدم وجود أنظمة ضد التحرش الجنسي هي السبب، وذلك يعني أن (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وما لم يتم وضع نظام عقوبات زاجر وحاسم ينزل أشد العقوبات بالمتحرش فلن يتوقف التحرش أو المتحرشون عن هذه السلوكيات غير الأخلاقية التي لا تليق بنظامنا التربوي وثوابتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية، وهناك دراسات أخرى عن التحرش بالأطفال وهذا يشير إلى أن التحرش قد يهدد أمن وسلامة المجتمع، ويدعو الى طرح بعض الأسئلة، مثل ما سبب الجرأة على ارتكاب فعل التحرش في بلادنا؟ ولماذا يتردد البعض في مجابهة هذه الظاهرة السلبية؟ هل هو غياب القانون الرادع، أم عجزنا عن وضع الضوابط التي تكافح التحرش؟. هناك من يعترض على وضع قوانين تمنع التحرش، وفي الحقيقة لم تقنعني الأسباب التي يراها المعارضون لهذا القانون، حيث إنهم يخشون أن تكون انعكاساته سلبية على المجتمع بحجة أنه قد يعني ضمنا السماح بالمعاكسات الموافق عليها من قبل الطرفين، وفي الواقع حتى لو سنّت تلك القوانين فالتحرش لن يختفي، ولكن القوانين ستخفف منه وستردع الى حد ما اصحاب القلوب المريضة الذين لا تردعهم القيم والدين والعادات وستصوب سلوكهم المعوج، ثم إن التحرش لن ينتهي إرادياً من تلقاء ذاته، وعلى المعارضين لقانون التحرش إدراك أهميته وعواقب غيابه، وارجو ان يعيد النظر كل معارض لهذه القوانين قبل أن يدخل التحرش مرحلة الخطر.