عزيزي القارئ.. لو أعرتني مخيلتك وذهنك قليلاً وسبحت معي إلى الوراء فترة من الزمن لرأيت العجب العجاب الذي يجعلك تشمخ عالياً إنْ من ذلك الجيل الرائع أو من أبنائه أو حتى من أحفاده. لقد وصلتني عبر ما يسمى قنوات التواصل الاجتماعي ملحوظة تكتنز العصامية، وتندي بالكرم وتنم عن أصل طيب حتى سماها صاحبها بكل فخر: هل تدرون من نحن الطيبون؟! لقد وصلتني عبر قناة الوات ساب وستندثر ولكني ولأني من ذلك الجيل وددت أن أعلقها لوحة شرف تمثلني على جدار مجتمعي المتسارع الأحداث والمليء جيوبه بالمال وبيوته وشوارعه بالسيارات والساكن في أقفاص خرسانية مسلحة والمقفلة تماماً حتى لا يخرج منها الهواء المكيف بالفريون. عزيزي القارئ.. هذا بعض ما جاء في الملحوظة التي أشكر مرسلها شكراً جزيلاً إنه الأستاذ الكريم إبراهيم الحداد. يقول الأستاذ إبراهيم عن ذلك الجيل العصامي والمكافح: نحن جيل المشي إلى المدرسة ذهاباً وإياباً (عز القايلة) طوال أيام السنة الدراسية (9شهور) !! جيل اختبار المنهج كاملا من الجلدة إلى الجلدة لا مَلازم ولا مدرس خصوصي ولا خيارات، جيل (اكتب القطعة عشر مرات) وحل المسائل على السبورة أمام الطلبة!! جيل المجلات الحائطية والنشاط الإذاعي والمسرحي والرياضي والمسابقات الثقافية، نحن جيل لا ينهار نفسياً من عصا المعلم.. ولم يتأزم عاطفياً من ظروف العائلة.. ولم تتعلق قلوبنا بغير أمهاتنا.. ولم نَبْكِ خلف المربيات عند سفرهن.. نحن جيل لم ندخل مدارسنا بهواتفنا النقالة، ولم نَشْكُ من كثافة المناهج الدراسية، ولا حجم الحقائب المدرسية ولا كثرة الواجبات.. نحن جيل لم يستذكر لنا أولياء أمورنا دورسنا ولم يكتبوا لنا واجباتنا المدرسية وكنا ننجح بلا دروس تقوية وبلا وعود دافعة للتفوق والنجاح، مثل الوعود بالسفر أو بشراء سيارة فارهة سريعة مثل هذه التي تقتل المراهقين في هذا الزمن وتحسِّر أهلهم عليهم.. نحن جيل لم نرقص على أغاني السخف وكنا نقبل المصحف عند فتحه وغلقه ونعز معلمه ونحترمه ونعتبره بمثابة والدنا.. نحن جيل كنا نلاحق بعضنا في الطرقات القديمة بأمان ولم نخش مفاجآت الطريق ولم يعترض طريقنا لص ولا مجرم ولا خائن وطن.. نحن جيل كنا ننام عند انطفاء الكهرباء في فناء المنزل ونتحدث كثيراً ونتسامر كثيراً ونضحك كثيراً وننظر إلى السماء بفرح.. ونعد النجوم حتى نغفو بنشاط لم يهدمنا السهر غير الهادف. نحل جيل كنا نحرك كفوفنا للطائرة بفرح ونحيي الشرطي بهيبة ونهرب من الشارع الذي نرى فيه معلمنا. نحن جيل تربينا على المحبة والتسامح والصفح.. نبيت وننسى زلات وهفوات بعضنا. نحن جيل كان للوالدين في داخلنا هيبة، وللمعلم هيبة، وللعشرة هيبة، وللجار هيبة، وكنا نحترم سابع جار ونتقاسم مع الصديق المصروف والأسرار واللقمة.. وختم هذا العقد اللؤلؤي بهذه الجملة الأنيقة: (إهداء لمن عاش تلك اللحظات الجميلة) هل أراد بهذه الجملة التخصيص لإحياء ما انقرض من هذه الأحلام أو للتحسر والبكاء على الماضي؟ أو عليهما معاً؟! هذه سنة الحياة وديدنها أنها لا تقف عند عقبة أو منعطف أو عند شخص. بل من لم يسايرها.. تتعداه وسيجد أنه خلف الركب. أنا لست ممن يريد الزمان أن يعود كما قال: (علي بن محمد) ولا ممن يريد الزمان أن يقف كما قال محمد عبده او اراد شاعرنا المتشائم أبو العتاهية حين قال متحسراً: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب... إنها كلمات دمعت عيونها وخلفت حسراتها ولكن أنا ممن يحب نقل خبرة المتقدم للمتأخر لسببين: لاختصار الطريق وللعبرة والاستفادة. وما نشرت هذا الكلام في زاويتي إلا لهذين السببين ولأحييَ روح العصامية في جيلنا الحاضر وأخص من يقرأ من الكتب لا من الإنترنت. إن جيلنا الماضي كلهم جيل نشامى يجب أن نجلس إليهم ونستمع منهم ونحترمهم ونحبهم ونفخر بهم ولقد صدق شاعرنا الهمام أبو تمام حين قال: بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها تُنال إلا على جسر من التعب.