عندما تكتحل العيون بإعلان تخفيضات في صحيفة أو في منشور أو ملحق جداري أو في اللوحات الإعلانية أو من شاشة التلفزيون أو عن طريق سماعها في الإذاعة تتسارع النظرات لنهاية الإعلان لمعرفة النسبة الممنوحة هذه المرة لأننا تعودنا عليها من كثرة تكرار المعلنين وعندما أعدد الوسائل فلأنها الغايات التي يحرص التجار على استخدامها لاجتناب أكبر عدد من المستهلكين. وعند النظرة الأولى للإعلان تتمحور الصورة عند المتلقين لها حسب الزاوية التي يظفر منها طبقا لمفاهيمه لذلك الإعلان. فرجل الاقتصاد ينظر له بمناظير اقتصادية بحتة تبرر الوسيلة المتعارف عليها اقتصاديا فهي من أجل إحلال منتج جديد بدل القديم أو تصريف منتج بطيء في دورته الرأسمالية أو التخلص من مخزون متراكم فاق حاجة الطلب أو بضائع مستردة من وكلاء التوزيع أو رغبة في تخفيف أعباء التخزين لما يلحقها من تبعات ومصروفات أو قرب انتهاء صلاحية المخزون أو تجديد وإضافة مساحات لتحسين العرض أو نهاية موسم أو ظهور منافس أجبرهم على تغيير سياسة التسعيرة بدخول منتج جديد يغير أساليب الاستخدام والأمثلة كثيرة، لكن أقربها للفهم التلفون فكان يدار بالهندل، ثم بالقرص، ثم بالأزارير، ثم باللمس أو الصوت وأخيرا الجوال وكذلك الكمبيوتر ومجالاته السريعة في التغيير كل هذه الاعتبارات تشكل ترسا من تروس العجلة التجارية التي تعتمد على الدراسات الاقتصادية من تسويق وتخزين ومبيعات وحسابات للاستهلاك والمصروفات. ومن الجوانب الأخرى ينظر بعض المستهلكين إلى أنها فرصة لزيادة المبيعات وآخر بأنها بضاعة معيبة وثالث يرى أنها مغشوشة وفي أحسن الأحوال أنها بضاعة رديئة أو مقلدة. وآخر يقول: إنها غير حقيقية وهناك من لا يهمه البحث عن الأسباب ويحسن الظن بحصوله على طلباته بالسعر المعلن عنه في التخفيضات على عشم انه ظفر بتحقيق أدناها. بهذه النظريات المتغايرة يبرز لنا سؤال عن الحقيقة الغائبة : ما الأسلوب المتبع لإجراء التخفيضات على الأقل من الجهات الرسمية المسئولة عن التصاريح مثل وزارة التجارة والغرف التجارية؟ وما آلية المراقبة لهذه التصاريح والأسس التي اعتمد عليها لمنحها ؟ وهل هي - طبقا لسعر الشراء - محسومة من نسبة التخفيض أم طبقا لسعر البيع قبل التخفيض محسوما منه النسبة المعلن عنها؟ هنا يبرز الفارق الذي يتطلب شفافية تحدد الدواعي الموجبة للتخفيض ومبرراته التي يجب أن يعلن عنها ليتأكد المستهلك من ماهية البضاعة ومدى جودتها وصلاحيتها وحقيقة سعرها وأسباب تخفيضها كي لا نترك مجالا للتشكيك في صدق النوايا ونمنع المراوغة والابتزاز تحت مظلة تجارة حرة .. نعم حرة، لكنها مقننة بتشريعات وتنظيمات بقرارات رسمية تحمي الآخرين من الاستغلال. إننا نجد هذه الإعلانات على مدار السنة وأحيانا مرتين أو ثلاثا لنفس المعلن فكيف ندافع عن تخفيضات تصل إلى 80 % ؟ فهل هذا إفلاس يراد به استرداد فقط 20 %؟ سؤال مشروع يحتاج إلى أكثر من إجابة خاصة إذا تكرر الإعلان أكثر من مرة في السنة لنفس التاجر . ومشروعية هذا السؤال تستوجب الإفصاح عن قواعد وترتيبات السماح والتصريح لهذه التخفيضات والمعايير المتبعة في مثل هذه الحالة للوصول إلى موثوقية ومصداقية الإجراء. حيث إن النسب لا بد أن تكون متمشية مع الظرف والزمان والمكان والحالة التي أقرت من أجلها هذه التخفيضات بشكل علمي ومعروفة أسبابه. هذا مع افتراضية وجود قواعد وأنظمة تؤطر الطلب وتحجم التسيب المفتعل للتغرير بالمستهلك كيلا تصبح التخفيضات تنفيضات للجيوب والعقول.