هجر مزارعون في المنطقة الشرقية مزارعهم بشكل نهائي، بسبب أنظمة وزارة العمل، وفرض برنامجي «السعودة» و«نطاقات» ورفعت التكلفة التشغيلية لديهم بنسب عالية في ظل تدني دخل مزارعهم، وارتفاع أسعار المكونات الزراعية والأسمدة الكيماوية. وقال مختصون في القطاع الزراعي بالمنطقة الشرقية : إن حوالي 90% من المزارعين هجروا مزارعهم بالكامل، أو العمل في نصفها بهدف التوفير والمقاومة من أجل البقاء، والبعض منهم قام بتحويل أرضه الزراعية خصوصا البالغة مساحتها 1000 متر مربع إلى قطع أراض (شرائح) وباعها على المطورين العقاريين الذين حولوها إلى استراحات ومستودعات ومصانع، مثل مزارع «طفيح» التي تحولت إلى أراض تجارية وصناعية، لعدم وجود الدعم الكافي في الزراعة، مؤكدين أن مزارعي الشرقية يعملون بطاقة انتاجية تبلغ 30% بسبب نقص العمالة. تراجع الإنتاجية وقال نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بالمنطقة الشرقية ساري الدوسري: إن وضع القطاع الزراعي في المنطقة الشرقية زاد سوءا عن السنوات السابقة بسبب أنظمة وزارة العمل، التي تفرض نظام «السعودة» على المستثمرين في المزارع وعدم منحهم التأشيرات اللازمة في ظل عدم رغبة الشباب في العمل بمهنة «مزارع» لما فيها من مشقة وفترة عمل تصل لمدة عشر ساعات يوميا. إضافة إلى الأجور المتدنية التي لا تتجاوز ال «800» ريال، موضحا أن ادخال وزارة العمل المزارعين ضمن برنامج «نطاقات» جعل البعض غير قادر على تجديد إقامات العمالة، واستخراج تأشيرة الخروج والعودة، ما سبب تراجعا كبيرا في الإنتاجية. وأضاف أن التعقيدات التي وضعتها الوزارة مؤخراً مثل ضرورة وجود سجلات تجارية ورخصة العمل واشتراك الغرفة التجارية لدى المزارعين، بالإضافة إلى الزكاة، التي أربكت كافة المزارعين وجعلت إنتاجيتهم تتراجع كثيرا عن السنوات السابقة، فهم لا يستطيعون دفع رواتب أكثر من ألف ريال لأن أرباحهم محدودة جدا. وأكد الدوسري أن الشباب السعودي لا يرغب في العمل بالقطاع الزراعي، لما فيه من مشقة وتدن في الرواتب. موضحا أن هذا القطاع يختلف كلياً عن باقي القطاعات الاقتصادية بمكوناته والصعوبات التي تعترض نموه، وكذلك نوعية مستثمريه الذين هم في الأغلب يعتمدون على أنفسهم في إدارة مزارعهم وتمويلها ومعالجة المشاكل التي تمر بالمحاصيل كالصقيع ودرجات الحرارة المرتفعة. وأوضح أنه تم الاجتماع مع المسئولين بوزارة العمل وإبلاغ الغرف التجارية بالمناطق، ومجلس الجمعيات بالمملكة بمعاناة المزارعين، لكن حتى هذه اللحظة لم يتخذ المسئولون بتلك الجهات أي قرار سيادي يحل أزمة المزارعين وحل مشكلة «السعودة» التي بدأت تقضي على مزارعهم. وبين الدوسري أن وزارة العمل أعفت قطاع الصيادين من «السعودة» وعلى هذا رفعنا نحن كجمعية زراعية خطابا إلى وزارة الزراعة نطالبها بالتدخل ومساواتنا مع الصيادين لأننا نعد في قطاع واحد وإنتاج زراعي، لكن - للأسف - كان رد الوزارة : انها لم تعلم عن قرار الإعفاء، وهذا إن دل فإنه يدل على أنه لا يوجد تنسيق بين الجهات المسئولة. مؤكدا أن الجمعية ستقوم برفع قرار وزارة العمل بإعفاء الصيادين إلى وزارة الزراعة حتى نبين لها صحته والتدخل السريع لمساعدة المزارعين بالمملكة. وأضاف : إن كثيرا من المزارعين في المنطقة الشرقية أغلقوا مزارعهم بسبب الأنظمة المعقدة، التي رفعت التكلفة التشغيلية لديهم بنسب عالية في ظل تدني دخل مزارعهم، ما أدى إلى ارتفاع نسبة مغادرة المزارعين الرقعة الزراعية البالغ حجمها 5 آلاف مزرعة ( أغلبها حيازات صغيرة تنتج الخضار )، وتحويل مزارعهم إلى قطع أراض متعددة وبيعها على العقاريين. وأوضح أن الشروط التي وضعتها وزارة العمل لم تكن مطلوبة في السابق، لكن عند إقرارها أصبحت عقبة جديدة في وجه المزارعين. مؤكدا أن النسبة المتبقية من الرقعة الزراعية لن تغطي حاجة المنطقة نهائيا، وكذلك التوقف عن الزراعة يترتب عليه عدة مشاكل أبرزها ارتفاع الأسعار. وأكد الدوسري أن المطلب الوحيد للمزارعين في المنطقة هو الحصول على العمالة المطلوبة، والسماح بإعادة تصدير منتجات المزارعين مثل الخضراوات والقرع والبصل والورقيات والفواكه مثل الشمام إلى دول مجلس التعاون كما كان في السابق. وعن سبب منع تصدير بعض منتجات الخضراوات والفواكه إلى الخليج العربي أوضح الدوسري قائلا : إن السبب يعود إلى تقليص حجم استنزاف المياه الجوفية المستخدمة في عمليات الري بهدف المحافظة على المياه مثل ما تزعم الجهات المسئولة عن القطاع الزراعي، فلماذا لا يتم منع زراعة الأعلاف مثل البرسيم والرودس والذرة التي أساسا تستنزف كميات كبيرة من المياه من خلال الرشاشات المحورية الموجودة في وادي الدواسر وحائل والقصيم وطبرجل التي تسحب المياه عن طريق أنابيب قطرها 8 بوصات وعلى مدار 24 ساعة بعكس مزارع الخضراوات والفواكه التي يملكها مواطنون كمصدر رزق وحيد. أما بخصوص ارتفاع أسعار الخضراوات في أسواق المنطقة فقد عزا ذلك إلى عدم وجود زراعة الطماطم إلا في بيوت محمية ومكيفة عددها قليل. فمن الطبيعي أن ترتفع أسعارها بالمنطقة، إضافة إلى وجود عوامل جيوسياسية في الدول المنتجة للخضراوات والفواكه مثل سوريا ولبنان، وكذلك تعطل الناقلات في الحدود لأيام طويلة حتى تنتهي إجراءاتها. وقال نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية ساري الدوسري: على الجهات المسئولة مساعدة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة حتى يتمكنوا من مد الأسواق المحلية بالمنتجات الزراعية الأساسية وتوفير الأمن الغذائي بها لأن الدولة منحت الأراضي والقروض لصغار المزارعين عن طريق صندوق التنمية الزراعي، كي يساهموا في توفير الغذاء وزيادة الرقعة الزراعية. لكن الشروط الحالية ضيعت كل مجهودات الدولة التي تتعلق بتنمية القطاع الزراعي، مؤكداً أن المزارعين في ورش العمل والندوات التي ينظمها مجلس الجمعيات بالمملكة بينوا معاناتهم والضرر الذي لحق بهم، وإثر ذلك تمت مخاطبة وزارة العمل لإيجاد حل سريع يحمي المزارع من التدهور والإفلاس، لكن لم يظهر المجلس بأي نتيجة. وطالب الدوسري أيضا شركة «سابك» - التي تعتبر شركة حكومية وتملك الدولة بها حصة كبيرة تبلغ 70% - بأن تقدم الأسمدة الكيماوية من واجب وطني للمزارعين بأسعار تفضيلية أسوة بالدول العربية مثل مصر. مشيراً إلى أن كل المزارعين في المملكة يستهلكون 10% فقط من إنتاج سابك للأسمدة التي ترفع أسعار المدخلات الزراعية كالأسمدة واليوريا والمواد مثل: البلاستيك والفلين شهرياً بمقدار يصل أحيانا إلى 20%. لذا يجب على شركة «سابك» أن تقدم خدماتها للمجتمع والمزارعين الذين يعدون جزءاً كبيراً من المجتمع ويمثلون القطاع الخدمي بالمملكة، مشيرا الى أن شركة «سابك» لديها موزعون حصريون يحتكرون المنتجات ويتحكمون في أسعار السوق. دورات تدريبية ونوه عضو لجنة الزراعة والثروة السمكية بغرفة الشرقية السابق توفيق الرماح إلى أن المزارع لديه مشاكل كثيرة تبحث عن حل لها مثل كيفية تسديد القروض، واستنزاف المحصول للمياه الذي يجعل التكلفة أعلى من تكلفة المنتج. فعلى سبيل المثال: منتج الطماطم له مواسم معينة في السنة بحيث يكون سعر صندوق الفلين أعلى منه. وقال : «قليل من ينجح في الزراعة حاليا» والملاحظ أن معدل الزراعة بالمملكة تراجع كثيرا بسبب قلة الدعم والتشجيع، وكذلك شح المياه في بعض المناطق مثل منطقة القصيم التي يسمح بها فقط بحفر ألف متر والأحساء وصلاصل يكون عمق البئر 450 م طوليا في حال أن تكلفة حفر البئر لا تقل عن 120 ألف ريال ، وهذه كلها تكاليف عالية على المزارع، مشيرا إلى أن تشجيع القطاع الزراعي يكون بتسهيل القروض ومنح العمالة اللازمة. وعن أسباب ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه المستوردة في السوق المحلية أوضح الرماح أن ذلك الارتفاع يعتمد على الموسم الذي ينقطع فيه بعض المنتجات الزراعية، ويتم استيرادها من الخارج. لذلك يجب على المزارعين اتباع التقويم الزراعي وفهمه بالشكل الصحيح لتلبية احتياج السوق وتغطية تكاليفه. وعن تنمية القطاع الزراعي بالمملكة أكد الرماح قائلا: المزارعون عملوا في أعمال كانت تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، ومن ثم انتقلوا إلى العمل في الأعلاف في ظل أن 40% من الإعانة التي تمنح من قبل الدولة تذهب بطريقة غير مباشرة إلى رعاة الأغنام والإبل من دول الخليج المجاورة. لذلك أرى أن المزارعين بحاجة إلى دورات عن طريق خبراء يدربونهم على كيفية المحافظة على مزارعهم من «السوسة» والحشرات التي تقضي على المحاصيل، وكذلك تدريبهم على زراعة منتجات متنوعة في فترات معينة من السنة لتغطية الأسواق المحلية والابتعاد عن الخسائر . هروب العمالة وقال المزارع مدن حمود : «إن نظام السعودة عرقل عمل كافة المزارعين» في ظل عزوف الشباب عن العمل بهذه المهنة، بدليل أن أولادي لا يرغبون في العمل معي لما في هذه المهنة من مشقة وأجواء جوية لا تحتمل مع العلم بأن مزرعتي تعد من ممتلكاتهم فما بالك بالشباب الآخرين. وأضاف أن العوامل الجوية لها دور كبير في عدم قدرة العمالة على تحمل العمل، وكذلك نطلب تأشيرات ونحصل عليها، لكن نتفاتجأ بأن العمالة المطلوبة دخلت المملكة وعملت عند آخرين وليس المزارعين بطرق غير شرعية لمدة سنتين ونحن لا نستفيد شيئا لأنه مسجل في مكتب العمل أن لدينا عمالة، إضافة إلى أن البعض من العمالة يذهب للإجازة السنوية ولا يعود مرة أخرى. وبين مدن أن العراقيل التي تعيق استمرار عمل المزارعين عديدة منها ضغوط وزارة العمل من ناحية رسوم العمالة السنوية، وكذلك التأمين الصحي، إضافة إلى أن الوزارة تطالبنا بتطبيق نظام «السعودة» وهي تعي تماما أن الشباب لن يعملوا في القطاع الزراعي مهما كلف الأمر، ما أدى إلى ارتفاع معدل الخسائر لدينا. وفيما يتعلق بهروب العمالة الأجنبية من أصحاب المزارع أكد مدن قائلا : عندما نبلغ عن العمال الهاربين يتم إبلاغنا من الجهات المعنية أنه تم القبض عليهم، وتم تسفيرهم إلى بلدانهم، فهنا ما الذي استفدته من ذلك رغم أني دفعت 2000 ريال قيمة تأشيرة وألف ريال قيمة تذكرة، ولا يوجد من يحمينا. وأوضح عبدالعزيز محفوظ (مزارع) أن المزارعين يواجهون عدة عقبات تمنعهم من تطوير أعمالهم تسببت فيها وزارة العمل مثل: إلزامهم بتوظيف السعوديين الذي يعد مستحيلا، ويعلم المسئولون بها علم اليقين بعدم رغبة الشباب في العمل قطعيا بين التربة والأسمدة في المزرعة، وكذلك تحديد جنسيات لا تصلح للزراعة وإجبار أصحاب المزارع عليها لعدم توافر خيارات أخرى. مبينا أن الرواتب المحددة للسعوديين تبلغ 3 آلاف ريال ومع ذلك لن يعملوا لأن أغلبهم حملة شهادات ومتخرجون في معاهد وجامعات، وكذلك العمل في المزارع شاق ويبدأ من الفجر حتى الغروب. وقال محفوظ : توجد مشكلة أخرى وهي أن المزارع لا يستطيع تسويق منتجاته لأن البلديات بأمانة الشرقية لا تحدد وقتا معينا لعرض المنتجات الزراعية في السوق بمعنى أنها تحتكر العملية بأكملها ما يسبب للمزارعين خسائر مادية فادحة. مشيرا إلى وجود تجار ينافسون المزارعين أصحاب المنتجات المحلية من خلال بيعهم منتجات مستوردة وبأسعار أرخص في ظل المزارع المحلي الذي عليه تكاليف تشغيل باهظة والبلدية تسمح لهم بإنزال منتجاتهم بجانب الخضراوات المزروعة محليا. ولهذا بلغت خسارتي هذا العام أكثر من 50% في ظل أن لدي حوالي 70 عاملا وديونا مسبقة من الموسم الماضي لمؤسسات تبلغ مليونا و 300 ألف ريال، قيمة أسمدة وأدوية وبذور لم أسددها. أما المزارع حسين مدن فقد أكد أن أكثر المزارعين يعملون في مساحات صغيرة بمزارعهم بهدف تقليل التكاليف والعمل في نطاق العمالة الموجودة لديهم. وقال: أملك مزرعة مساحتها الكلية ألفx ألف متر مربع والمساحة المزروعة منها لا تتجاوز 500 متر مربع لعدم وجود الأيدي العاملة. فوزارة العمل تمنح تأشيرات من الهند تقدر ب « 2%» والباقي من سريلانكا ودول أخرى عمالتها لا تنفع للعمل بقطاع الزراعة، والسبب نظام «السعودة» ليس بمهنة مزارع، وإنما على جميع قطاعات الزراعة مثل سائق شاحنة، ووزارة الزراعة تحدد مثلا 40 تأشيرة لأصحاب المزراع ، لكن مكتب العمل لا يمنح إلا 10تأشيرات. وكذلك عندما يتم منح العاملين إجازات سنوية لا يعودون للعمل مرة أخرى وإن عادوا فإنهم يهربون من المطار وعندما يتم إبلاغ المكتب بهروبهم وطلب تأشيرات بديلة فإنه لا يمنحنا. وفيما يخص تكاليف الأسمدة والمكونات الزراعية أكد حسين مدن أن جميع الأسعار زادت بنسبة لا تقل عن 50% والبعض منها وصل إلى الضعف خصوصا اليوريا (كيس 50 كيلو) التي زاد سعرها فتراوح بين 40 و81 ريالا. أسعار السوق حققت أسعار الخضراوات والفواكه المحلية خلال شهر رمضان المبارك في سوق المنطقة ارتفاعا بلغت نسبته ما بين 50-100% خصوصا في الكوسا ( سلة 20 كيلو جراما) التي سجلت أعلى ارتفاع. حيث بلغ سعرها 200 ريال بعد أن كانت تباع في بداية الموسم ب «15» ريالا، والطماطم المحمية وزن (5 كيلو) كان سعرها 10 ريالات، ارتفعت إلى 20 ريالا. وكذلك الباذنجان وزن (5 كيلو) زاد من 6 إلى 15 ريالا والفلفل البارد من 8 إلى 30 ريالا والحار إلى 15 ريالا بعد أن كان يباع هذان المنتجان في السوق بما بين 6-8 ريالات. وجود تجار ينافسون المزارعين المحليين من خلال بيعهم منتجات مستوردة وبأسعار أرخص سبب خسائر مادية فادحة للمنتج المحلي رسوم العمالة والتأمين الصحي وتطبيق نظام «السعودة» معوقات تمنع استمرار عمل المزارعين