الاقتصاد الوضعي يهتم بالدرجة الأولى بالسلوك المادي للإنسان وتحقيق المنافع والمكاسب، ويدع دراسة الأخلاق للعلوم السلوكية، وهذا الفصل بينهما أدى إلى آثار سلبية في التعاملات المالية على المستويين الشخصي والمؤسسي في تصرف الإنسان مع المادة، بل أدى هذا الفصل -دون مبالغة- إلى إحداث والتسبب في الأزمة المالية الأمريكية العالمية، فلو تقيد السلوك الاقتصادي بالقيَم الإسلامية لما آل الأمر إلى المأزق الحالي. ويمكنني أن أقف بالقارئ إلى الإشارة على وجه الإلماح إلى أصول السلوكيات التي تتم ممارستها في الأسواق العالمية، وهي بعيدة عن الجانب الأخلاقي الإسلامي: أ- الجشع في كسب المال بكافة السبل والوسائل ولو غير شرعية أو قانونية اعتماداً على المبدأ الاقتصادي الرأسمالي»دعه يعمل، دعه يمر». ب- فشو الإشاعات والأكاذيب: فإذا أسقطنا هذا السلوك الخلقي على الأزمة العالمية الأمريكية لوجدنا أنَّ من عوامل تفاقم الأزمة انتشار الأكاذيب وفشو الإشاعات، فإذا لجأ المستثمر للسماسرة لجهله بنظام الأسواق المالية العالمية فنجدُ هناك تواطؤ السماسرة مع مديري البنوك والمؤسسات المالية في عدم الصدق بنشر المغالطات والأكاذيب فيقع المستثمر في فخ شراء أوراق مالية لشركات على وشك الإفلاس. ج- غياب الشفافية، وهذا يبدو جلياً في شركات التصنيف الائتماني. فهذه المؤسسات تقاضت رشاوى من البنوك والمؤسسات المالية المالكة لهذه الأوراق حتى تصنفها من الديون الممتازة أي AAA، وهذا ما خدع الزبائن، الذين اشتروا الأوراق على أنها ممتازة وإذا بها تظهر أوراقاً تحمل مخاطر كبيرة. ولهذا سمعنا مطالبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتحقيق الشفافية في التعاملات بالأسواق المالية. ه -الجهالة والتدليس والاحتكار وكان من حصاد هذه الأخلاق الفاسدة إهدار الأموال، وتشريد الموظفين والعمال، زيادة معدلات البطالة، طرد الناس من منازلهم، إفلاس البنوك والشركات وانهيار البورصات وزيادة بؤس الفقراء والمساكين. وبهذا يُعلم جيداً أنَّ النظام الاقتصادي الرأسمالي لا يقوم على الأخلاق، وأما ما زعمه البعض بأنَّ الاقتصاد الرأسمالي يقوم على الأخلاق، مدللاً بأنَّ «النظام الرأسمالي يعارض الاحتكار ويعتبره من أكثر العوامل المشوهة للاقتصاد... والجواب على هذا أن يقال «إنَّ هذا ادعاء ومغالطة تخالفُ الواقع، فالقمار والاحتكار من خصائص النظام الرأسمالي، وإن تظاهر ذلكَ النظام بمحاربته لذلكَ بسن تشريعات، إلاَّ أنها تبقى حبراً على ورق، فالنظام الرأسمالي إما أنه يسمي الأشياء بغير أسمائها، أو أنه يذكر شيئاً في النظرية ويعمل شيئا آخر منافيا له في التطبيق». يقول خبير مطلع في Well Strti، في كتاب كتبه ونشره باسم مستعار (مارشان ساج Marchand Sage) يقول فيه: «هناك مكايد ومنافسة قاتلة، وصفقات غداء متوترة، ومقامرات هائلة، وحيل وعمليات إخفاء، وأرباح ضخمة، مما يجعل الوول ستريت أعظم كازينو في العالم». وقد ألمحَ بعض الدارسين عن الإسلام الى تحقق هذه الميزة في الاقتصاد الإسلامي وهي ارتباطه بالأخلاق، وفي ذلك يقول الكاتب الفرنسي جاك أوستري: «الإسلام هو نظام الحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معاً، وهاتان الوجهتان مترابطتان لا تنفصلان أبداً، ومن هنا يمكن القول إنَّ المسلمين لا يقبلون اقتصاداً علمانياً، والاقتصاد الذي يستمد قوته من وحي القرآن يصبحُ بالضرورة اقتصاداً أخلاقياً». ولهذا حثَّ ديننا الإسلامي على الصدق والأمانة والسماحة والنصيحة، ومن ذلك أيضاً أنَّ الإسلام منعَ من المعاملات ما ينافي الأخلاق، ومن أبرز ذلك: 1) القمار مع أنه محرم في كل الأديان، 2) الكذب، 3)النجش. إلاَّ أنَّ الطلاق بين الأخلاق والاقتصاد غير بائن، وأنَّ بشائر ظهور مدرسة الأخلاقيين التي ابتدأها آدم سميث Adam Smith من الاقتصاديين من اسكتلندا واضحة، وإن كانت ضعيفة إلاَّ أنها الموافقة للفطرة وللأديان وستعود بالاقتصاد العالمي إلى بيت الطاعة الأخلاقية! * مصرفي ومحكم تجاري