يلعب الغاز الطبيعي دوراً حيوياً في مزيج الطاقة العالمية، حيث يلبي حوالي 24% من احتياجات الطاقة على مستوى العالم. واحتل الغاز الطبيعي -في آخر البيانات المتوفرة- المركز الثالث بعد النفط والفحم الحجري في أهمية مصادر الطاقة، ولولا استهلاك الصين الضخم من الفحم الحجري لجاءت أهمية الغاز الطبيعي في المركز الثاني عالميا بعد النفط. وارتفعت احتياطات الغاز الطبيعي العالمية خلال الأعوام العشرين الماضية بنسبة تقدر بحوالي 57%، أو بمعدل سنوي وصل إلى حوالي 2.3% خلال الفترة. وبلغ إجمالي الاحتياطات العالمية من الغاز الطبيعي حوالي 187 تريليون متر مكعب في عام 2014م. جاءت روسيا وإيران وقطر في المراكز الثلاثة الأولى عالميا في حجم احتياطات الغاز الطبيعي. واحتلت تركمانستانوالولاياتالمتحدة والمملكة المراكز التالية في حجم احتياطات الغاز الطبيعي. وارتفع الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي من 2711.3 بليون متر مكعب في عام 2004م إلى 3460.4 بليون متر مكعب في عام 2014م، وهو ما يمثل نسبة زيادة مقدارها 27.6% خلال الفترة أو بمعدل سنوي يصل إلى حوالي 2.5%. واحتلت الولاياتالمتحدة المركز العالمي الأول في إنتاج الغاز الطبيعي، حيث أنتجت حوالي 21.4% من إجمالي الإنتاج العالمي في عام 2014م، ثم تلتها روسيا بحوالي 16.7%، وأنتجت المملكة 3.1% من إجمالي الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي. وقد تراجع معدل نمو الإنتاج العالمي في عامي 2014م، 2013م إلى 1.6%، 0.8% على التوالي. ويعود هذا التراجع لانخفاض معدل نمو الطلب العالمي في هذين العامين، حيث يستهلك معظم الغاز المنتج في الأسواق المحلية بسبب ارتفاع تكاليف نقل الغاز الطبيعي، والذي يتطلب نقله استثمارات ضخمة في خطوط الأنابيب أو في منشآت الغاز المسال. تأثير تراجع أسعار النفط على إمدادات الغاز الطبيعي تؤثر تقلبات أسعار النفط على أسعار أنواع الطاقة الأخرى، ولكنها تترابط بشكل أقوى مع أسعار الغاز الطبيعي. وتحدد أسعار الغاز الطبيعي في كثير من عقود الغاز على أساس أسعار النفط، كما أن جزءًا كبيراً من الغاز المنتج عالمياً يصاحب إنتاج النفط الخام. ويسعر حوالي 65% من تجارة الغاز الطبيعي على أساس أسعار النفط، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 85% في آسيا بسبب اعتماد آسيا على الغاز المستورد. ويوجد تفاوت كبير بين أسعار الغاز الطبيعي العالمية على الأسس الجغرافية، حيث ترتفع في آسيا وتنخفض في الولاياتالمتحدة بينما تقف الأسعار عند منتصف الطريق في أوروبا. وقد تراجعت أسعار الغاز الطبيعي من حوالي خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية في الولاياتالمتحدة عند بداية عام 2014م إلى أقل من ثلاثة دولارات في الوقت الحالي، بينما تراجعت في اليابان من حوالي 17 دولاراً للمليون وحدة حرارية إلى حوالي 12 دولاراً في نفس الفترة. وقد أدى تراجع أسعار الغاز الطبيعي خلال الأشهر القليلة الماضية إلى تهديد الكثير من مشاريع البنية الأساسية للغاز الطبيعي على مستوى العالم. وخفضت كثير من شركات الغاز الطبيعي مستويات إنفاقها الاستثماري في عام 2015م، وسيقود توقع بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة إلى مزيد من التخفيضات في الإنفاق الاستثماري خلال السنوات القادمة. وسينتج عن هذه التخفيضات تراجع معدل نمو إنتاج الغاز الطبيعي خلال السنوات القليلة القادمة، ومن المرحج أن تواجه صناعة الغاز المسال مصاعب جمة نتيجة لتراجع الأسعار. وسيتم المضي قدماً في تنفيذ المشاريع التي كانت تحت التنفيذ أو أنجز جزء كبير منها -قبل تراجع الأسعار-؛ لأن معظم التكاليف الرأسمالية في هذه المشاريع قد أنفقت، أما مشاريع تسييل الغاز الجديدة فسيتم التراجع عن معظمها. ولا تغطي أسعار الغاز الطبيعي الحالية تكاليف كثير من مشاريع إسالة الغاز المرتفعة. وفي حالة عدم تحسن الأسعار خلال العامين القادمين فإن النمو في إمدادات الغاز المسال خلال العقد القادم ستتراجع وستعود الضغوط إلى أسواق الغاز في غضون عام 2020م. أما في الأمد القريب، فمن المتوقع أن تشهد إمدادات الغاز المسال تدفقاً متزايداً خلال العامين القادمين بسبب قرب انتهاء عدد كبير من مشاريع الغاز المسال، حيث من المرجح ارتفاع إمدادات الغاز المسال بحوالي 40% في عام 2020م مقارنةً بأحجامها الحالية. وتنخفض حساسية مشاريع الغاز المسال لأسعار الغاز قصيرة الأجل لانخفاض نسبة تكاليف التشغيل من التكاليف الكلية لهذه المشاريع. ويحاول مالكو معامل الغاز المسال تعظيم إنتاجها عند تراجع الأسعار؛ لاسترجاع أكبر قدر من التكاليف الرأسمالية، ولهذا يتم امتصاص زيادة الإمدادات في الأسواق من خلال خفض كبير في أسعار الغاز المسال. وقد تراجعت أسعار الغاز المسال في آسيا بحوالي النصف منذ عام 2014م. إمدادات الغاز في الولاياتالمتحدة أظهرت صناعة الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة نمواً جيداً في الاحتياطات والإمدادات خلال السنوات القليلة الماضية. وقد تضاعفت احتياطات الولاياتالمتحدة من الغاز الطبيعي بأكثر من الضعف خلال العشرين سنة الماضية، كما ارتفع إنتاج الولاياتالمتحدة بحوالي 40% خلال العشر السنوات الماضية. ويعود جزء كبير من زيادة احتياطات وإنتاج الغاز الطبيعي إلى ثورة الغاز الصخري. وقد ساعدت أسعار النفط والغاز المرتفعة خلال الفترة الماضية في زيادة معدلات نمو إنتاج الغاز الطبيعي. وبعد ذلك، واجهت صناعة الغاز الأمريكية تحديات جدية مع تراجع أسعار الغاز الطبيعي في السوق الداخلية للولايات المتحدة، وازدادت الضغوط بعد تراجع أسعار النفط العام الماضي. ومنذ تراجع أسعار النفط في عام 2014 وحتى الوقت الحالي، يسعى منتجو الغاز الطبيعي الأمريكيون إلى التأقلم مع تراجع التدفقات النقدية الناتجة عن انخفاض الأسعار من خلال خفض تكاليف الإنتاج. ونتيجة لذلك تراجعت أسعار خدمات حقول الإنتاج بقوة منذ عام 2014م. ويرجح البعض تراجع عدد حفارات الغاز الصخري إلى وفرة إمدادات الغاز الطبيعي وليس لتراجع الأسعار. وقد ساعدت ديناميكية صناعة الغاز الأمريكية ومرونتها في تكيفها واستمرار النمو فيها حتى بعد تراجع الأسعار. أوروبا وإمدادات الغاز الروسية أدت الخلافات السياسية بين أوكرانياوروسيا في عام 2014م إلى التأثير سلباً على إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا. وقاد النزاع الروسي الأوكراني إلى تأثيرات بالغة على تجارة الطاقة والعلاقات التجارية والمالية في المنطقة بشكل عام. وقد تراجعت الثقة من قبل صناع القرار والشعوب الأوروبية في تجارة الغاز الطبيعي، وارتفعت أهمية متطلبات وقضايا أمن الطاقة بالنسبة لأوروبا. وتتركز اهتمامات الاتحاد الأوروبي في أمن الطاقة حالياً على تنويع مصادر الطاقة، وعلى تحسين تواصل البنية الأساسية لشبكة الغاز الطبيعي بين البلدان الأوروبية. وستسعى الدول الأوروبية إلى تحسين البنية الأساسية لشبكات الغاز الطبيعي؛ وذلك من أجل رفع قدرات التبادل المشترك لأنابيب الغاز الرئيسية في الدول الأعضاء والذي سيتيح الاستفادة من الطاقات الإنتاجية والتخزينية وإمدادات الغاز المسال لدول الاتحاد الأوروبي. وسيساهم تحسين البنية الأساسية للغاز الطبيعي في خفض تكاليف ومخاطر تعرض دول الاتحاد لنقص أو انقطاع بعض إمدادات الغاز الطبيعي الخارجية المفاجئ. من جهةٍ أخرى، تحاول روسيا تنويع أسواق صادراتها بالاتجاه شرقاً من خلال عقد اتفاقات طويلة الأجل مع الصين لإمدادها بالغاز الطبيعي، وتحويل الأخيرة لتكون في الأمد المتوسط أكثر أهميةً من سوقي ألمانياوتركيا بالنسبة لصادراتها من الغاز الطبيعي. وقد تلجأ روسيا للتخلي عن نقل الغاز عبر أوكرانيا، حيث تم إلغاء مشروع الأنابيب الجنوبية التي كانت ستمر عبر أوكرانيا. وتتجه غاز بروم إلى تبني مشروع لنقل الغاز عبر تركيا وبناء مجمع للغاز على الحدود التركية اليونانية. من جهةٍ أخرى، تتطلب اتفاقيات الغاز الروسية المبرمة مع الأوروبيين نقطة تسليم معينة مما يتطلب استمرار تدفق الغاز خلال أوكرانيا. ولهذا قد تواجه تجارة الغاز الطبيعي الأوروبية الروسية بعض التحديات القوية خلال السنوات القادمة. وتراجعت صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا في عام 2014م؛ لاعتدال فصل الشتاء، ولكن من المتوقع عودتها للارتفاع في العام التالي إلى مستوياتها الاعتيادية. وستتراوح الإمدادات الروسية السنوية إلى أوروبا بين 150-160 مليون متر مكعب خلال الأمد المتوسط، أو حوالي مرة ونصف حجم استهلاك المملكة من الغاز الطبيعي. ومن المتوقع استمرار زيادة اعتماد أوروبا على تدفقات الغاز الخارجية بسبب تراجع إمداداتها الذاتية، وسيتراجع إنتاج أوروبا من الغاز الطبيعي في عام 2020م بحوالي الربع من متسويات 2010م. ويعود التراجع المتوقع للإنتاج الأوروبي إلى بقاء أسعار الغاز منخفضة في الأمد المنظور، والقيود التي تفرضها هولندا على إنتاجها من الغاز الطبيعي. وفي ضوء النمو المتوقع لاستهلاك الغاز الطبيعي وتراجع الإنتاج فإن الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي سترتفع بحوالي الثلث في عام 2020م عن مستوياتها في عام 2014م. وسيرحب منتجو الغاز المسال بزيادة الطلب الأوروبي، حيث تتوفر كميات كبيرة من الغاز المسال وبأسعار رخيصة مما سيضاعف من حجم الواردات الأوروبية من الغاز المسال خلال الخمس السنوات القادمة. الطلب العالمي على الغاز الطبيعي أصدرت وكالة الطاقة العالمية مؤخراً تقريراً عن تطلعات أسواق الغاز الطبيعي متوسطة الأجل، أي خلال السنوات الخمس القادمة. حيث تشير تطلعات التقرير إلى أن النمو الاقتصادي وتراجع أسعار الغاز الطبيعي والنفط سيعيدان تسارع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في الأعوام القادمة بعد التباطؤ الذي شهده هذا السوق في عامي 2013، 2014م. وقد أدت الظروف المناخية المعتدلة في أوروبا خلال عام 2014م إلى تراجع استهلاكها من الغاز الطبيعي؛ مما خفض من معدل النمو العالمي في استهلاك الغاز الطبيعي خلال العام. من جهة أخرى سيتحسن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي خلال السنوات القادمة، حيث من المتوقع ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بمعدل سنوي يبلغ 2% في الفترة 2015-2020. الطلب في دول منظمة التعاون والتنمية يتركز الطلب على الغاز الطبيعي في أعضاء منظمة التعاون والتنمية -والتي تضم الدول المتقدمة- في قطاع توليد الكهرباء والصناعات البتروكيماوية. وسيواجه الطلب على الغاز الطبيعي في قطاع التوليد لدى أعضاء المنظمة تحديات من تراجع الطلب على الكهرباء، ومن النمو القوي في وسائل واستخدامات الطاقة المتجددة. فعلى الرغم من الإغلاق المتزايد لمحطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة على الفحم، سيتعرض استخدام الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء إلى ضغوط في كل من أوروبا والولاياتالمتحدة. أما في اليابان فمن المتوقع تراجع الطلب على الغاز الطبيعي خلال السنوات القادمة، ولكن معدلات التراجع تتوقف على سرعة وسياسات العودة لاستخدام الطاقة النووية. الطلب الآسيوي عانى الطلب على الغاز الطبيعي في باقي دول آسيا من تراجع معدلات النمو خلال العامين الماضيين؛ بسبب ارتفاع أسعاره. ويواجه استخدام الغاز الطبيعي في هذه المنطقة تحديات حقيقية من أسعار الفحم الحجري المتدنية وتراجع تكاليف استخدام وسائل الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء. هذا وقد دفع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي خلال العامين الماضيين عددا من الدول الآسيوية إلى تبني سياسات خفض استخدام الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربائية ومنح أوليات لاستخدام الفحم الحجري. كما قامت دول أخرى بخفض استخدام طاقات منشآت التوليد بالغاز الطبيعي على الرغم من معاناتها من عجز واضح في توليد الطاقة الكهربائية. صحيح أن تراجع أسعار الغاز الطبيعي سيشجع نمو استخدامه العالمي، ولكن ردة فعل الدول الآسيوية قد تكون أقل من المعدلات العالمية؛ بسبب ارتفاع الأسعار التي تواجهها. وقد يقتصر النمو في استخدام الغاز الطبيعي في آسيا على تغطية العجز في قطاع التوليد بدلاً من استخدامه كعنصر أساسي في توليد الطاقة الكهربائية. ويدعم زيادة استخدام الغاز الطبيعي تراجع مخاطره البيئية، ولكن الدول الآسيوية تواجه أعلى الأسعار العالمية في الغاز الطبيعي، ولهذا فإن استخدام الغاز الطبيعي على الأمد المتوسط في هذه المنطقة يواجه تحديات ضمان بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة، وهو من الأمور التي تنخفض درجة التأكد حيالها في الأمد المتوسط. تراجع الطلب الصيني على الغاز الطبيعي بنسبة 1% في عام 2014م بعد نموه بمتوسط سنوي مقداره 14% خلال السنوات الخمس التي سبقت 2014م. وتشهد الصين عموماً تراجعات في معدلات نمو استهلاك الطاقة الأولية؛ بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، ونظراً لدخولها في مرحلة نمو تنخفض فيها كثافة استخدام الطاقة. من ناحية أخرى، يرى بعض المختصين أن توقعات نمو الطلب على الغاز الطبيعي في الصين تدعمها الاهتمامات البيئية المتزايدة، وتراجع أسعار الغاز الطبيعي، وانخفاض الفرق بين أسعاره وأسعار الفحم الحجري، ولهذا قد يشهد الطلب نمواً جيداً خلال الأمد المتوسط. الطلب في باقي العالم سيعيق تباطؤ نمو إنتاج الغاز الطبيعي في باقي مناطق العالم خلال الأمد المتوسط من نمو الطلب العالمي عليه. وستعاني هذه المناطق من عجز مزمن في إنتاج الغاز الطبيعي وخصوصاً في الدول التي تنخفض قدراتها على الاستيراد. وسيؤدي تراجع أسعار الغاز والسياسات الخاطئة التي تتبعها بعض الدول فيما يخص إنتاج الغاز الطبيعي وتسعيره في تباطؤ نمو إنتاج الغاز الطبيعي في باقي دول العالم. وسينمو إنتاج الغاز الطبيعي في أفريقيا، ولكن تنخفض الثقة في قدرة القارة على استقرار مستوى صادراتها؛ بسبب التضارب البادي بين التزامات التصدير وتلبية الطلب المحلي. وبالنسبة للشرق الأوسط تحد سياسات التسعير من نمو إنتاج الغاز الطبيعي مما سيؤثر على نمو الطلب في هذه المنطقة، أما في أمريكا اللاتينية فسيتراجع نمو إنتاجها مما سيحد من نمو الطلب على الغاز الطبيعي. يستهلك معظم الغاز المنتج في الأسواق المحلية بسبب ارتفاع تكاليف نقله سفينة مخصصة لاستقبال ونقل الغاز المسال