عقد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مؤتمرهم الأخير كما كان مقرراً في الخامس من شهر يونيو من هذا العام. وكان المؤتمر سلساً وسريعاً، حيث انتهت اجتماعاته في نفس اليوم وفي جلسة واحدة لم تدم أكثر من ثلاث ساعات. ويشير البيان الصحفي للمنظمة حول المؤتمر إلى أنه لم يناقش أي قضايا خلافية يمكن تأجيلها للاجتماع المقبل الذي تقرر عقده في ديسمبر القادم. وقررت أوبك في هذا المؤتمر الاستمرار في الحفاظ على حصة الإنتاج النفطي الحالية الإجمالية للمنظمة والبالغة 30 مليون برميل في اليوم، وأكدت المنظمة في بيانها حرصها على استقرار الأسواق. وتشير تصريحات وزراء الدول الأعضاء في المنظمة إلى أنهم اتفقوا على المضي قدماً على مسار السياسات الحالية للمنظمة. وكان المؤتمر الماضي المنعقد في شهر نوفمبر من عام 2014م، قد قرر عدم خفض أو رفع الحصص الإجمالية للدول الأعضاء. أما من الناحية الفعلية، فإن المنظمة ركزت منذ فترة على الحفاظ على حصص الدول الأعضاء في الأسواق النفطية، وعدم التخلي عن هذه الحصص بسبب تراجع الأسعار، بل ومحاولة كسب المزيد من الحصص في الأسواق النفطية. واعترف بيان المنظمة بأن هناك فائضاً في المعروض النفطي في الأسواق العالمية، ولكنه لم يتخذ أي قرار ولم يبد استعداده للتصرف لخفض الفائض في المعروض النفطي العالمي. وتنتج المنظمة ولفترة من الزمن -وعلى الرغم من قراراتها المتعددة بالحفاظ على حصتها الإجمالية- أكثر مما ورد في قراراتها. وهي بهذا تساهم -وهي تدري- في زيادة المعروض النفطي في الأسواق، وتساهم أيضاً في تراجع الأسعار لأنها لا تلتزم بقراراتها والتي حددت حصة دول المنظمة ككل بثلاثين مليون برميل في اليوم. وتقول أوبك: إنها تسعى إلى خفض تقلبات أسعار النفط وخفض قدرة المضاربين في التأثير على الأسعار، وذلك لأنها ترى أن ذلك يصب في مصلحة المنتجين والمستهلكين والمستثمرين في القطاع النفطي. ويبدو أن المنظمة ما زالت تُلقي باللوم على المضاربين وتردد بأن التراجع الأخير جاء جزئياً بسبب المضاربة في أسعار النفط. ويرى العديد من المختصين أن المضاربة تحاول الاستفادة من تقلبات الأسواق ولكنها في العادة تعكس أساسيات الأسواق، فإذا كانت هناك توقعات بارتفاع الأسعار يتضخم الطلب بسبب الطلب الإضافي الذي قد ينشأ عن المضاربة. وفي حالة توقع الأسواق لتراجع الأسعار، يخرج المضاربون من السوق لتجنب الخسائر، وبذلك يخفضون الطلب الناتج عن المضاربة هرباً من الخسارة. والأسواق النفطية أسواق ضخمة ويصعب على مجموعة المضاربين التحكم فيها، ولهذا يبدو أن هناك نوعا من المبالغة في تأثير المضاربين على أسعار النفط. وقد قلت في الفترة الأخيرة التقلبات الحادة في الأسعار والتي كانت تنشأ بسبب الأحداث السياسية والأمنية العالمية، وذلك بسبب وفرة الإمدادات العالمية من النفط. ويؤكد قرار أوبك الأخير تخليها في المرحلة الحالية عن أي محاولة للدفاع عن الأسعار. وهو ما يعطي إشارة إلى الأسواق باستمرار هذه السياسة وأنها ليست طارئة، حيث يبدو أن المنظمة تحاول ترسيخ هذا المفهوم لدى جميع المستهلكين والمنتجين للتكيف مع هذه السياسة. ويحتاج ترسيخ أي مفهوم في الأسواق استمرار العمل فيه لفترة طويلة حتى يصبح جزءًا من ذاكرة المتعاملين سواءً كانوا مستهلكين أو منتجين. وقد أدت سياسات المنظمة السابقة في الدفاع عن مستويات الأسعار المئوية للبرميل، إلى افتراض بقائها عند هذه المستويات لدى المستهلكين والمنتجين. وقادت هذه الفرضية إلى تطوير الكثير من الحقول النفطية المكلفة وإلى تطوير الإنتاج غير التقليدي من النفط، كالزيت الصخري، والزيت من الرمال النفطية، وإلى زيادة معدلات استخدام بدائل النفط. وأدت هذه التطورات على الأمد الطويل، إلى تراجع معدلات نمو الطلب النفطي، وزادت بقوة معدلات نمو المعروض النفطي، وظهور الفائض النفطي الكبير الحالي في الأسواق. ونتيجة لذلك يدرك عقلاء المنظمة أن قبول الأسواق لفكرة تخلّي المنظمة عن السياسة السابقة وتبني سياسة جديدة يتطلب وقتاً طويلاً. وفي حالة ثبات المنظمة على هذه السياسة وتقبل الأسواق لها، فهذا سيقود في النهاية إلى استقرار في أسعار النفط عند مستويات أقل مما كان سائداً خلال السنوات الماضية قبل الانهيار الأخير في الصيف الماضي. وإذا تأكد المستهلكون وبدرجة معقولة من الثقة بأن أسعار النفط والمنتجات النفطية ستظل لفترة طويلة مستقرة ومنخفضة، فسيتخذون القرارات المعظمة لمنافعهم والتي ستزيد الطلب على النفط بمعدلات أكبر من السابق، كما ستنخفض معدلات التحولات عن استهلاك النفط لأنواع الوقود الأخرى. وسيقود تراجع أسعار النفط أيضاً، إلى توقف المنتجين عالي الكلفة عن تطوير إنتاجهم لتلافي الخسائر المستقبلية المتوقعة أو سيخفضون من الاستثمار في مصادر الطاقة الأعلى كلفة، وهذا سيخفض نمو المعروض النفطي المنافس لأوبك ويخفض قدرة مصادر الطاقة الأخرى على الحلول محل النفط. وستخدم هذه التطورات في حالة حدوثها المنظمة وسترفع الطلب على نفطها. وقد أجل الاجتماع الأخير عددا من القضايا المهمة التي كان من الممكن مناقشتها، كحصص بعض الدول التي تتوقع عودة إنتاجها للارتفاع أو تخطط لزيادة إنتاجها. وتتوقع إيران أن يرتفع إنتاجها وصادراتها بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها في هذا الشهر. كما تحاول العراق رفع إنتاجها إذا استقرت الأوضاع الأمنية، ويسري نفس التحليل على ليبيا. وفي حالة استقرار الأوضاع في كل من ليبيا والعراق وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي، فإن أوبك ستشهد خلافات حول رفع حصص هاتين الدولتين. تطورات الإنتاج النفطي لأوبك ارتفع إجمالي إنتاج أعضاء منظمة أوبك لشهر أبريل بحوالي 160 ألف برميل عن الشهر الذي قبله، كما تفيد مصادر وكالة الطاقة العالمية، حيث وصل إجمالي إنتاج أعضاء المنظمة حسب هذه المصادر إلى 31.2 مليون برميل، مما يعني تجاوزه للسقف المعلن بحوالي 1.2 مليون برميل في اليوم. أما مصادر منظمة أوبك الرسمية، فأشارت إلى أن إنتاج شهر مارس بلغ حوالي 31.5 مليون برميل من النفط الخام في اليوم. ولم يرد حسب البيانات الرسمية إجمالي إنتاج المنظمة في شهر أبريل، بسبب عدم توفر بيانات عن إنتاج ليبيا. وقد تجاوز إنتاج أعضاء المنظمة في شهر أبريل 2015م مستوى الحصص المحدد بحوالي مليون برميل حتى بدون إنتاج ليبيا. وقد جاءت زيادة إنتاج أوبك وبشكل رئيس، بسبب زيادة إنتاج كل من العراقوإيران وبقاء إنتاج أكبر عضو في المنظمة وهي المملكة فوق مستويات 10 ملايين برميل من النفط الخام في اليوم. وتشير المؤشرات الأولية إلى أن إنتاج أعضاء المنظمة في شهر مايو ظل بحدود مستويات إنتاج شهر أبريل أي فوق 31 مليون برميل في اليوم. وتذكر بعض مصادر الطاقة أن العديد من أعضاء أوبك وخصوصاً من دول الخليج، يحاول اكتساب المزيد من الحصص في الأسواق، بل إنهم يسعون لزيادة استثماراتهم في القطاع النفطي، مما يعطي دلائل بتوجهاتهم لزيادة حصصهم المستقبلية في الأسواق. وهذا التصرف يتناقض مع الاتجاه العام لدى شركات النفط العالمية الخاصة والتي تحاول تقليص استثماراتها للحد من التكاليف والخروج من المشاريع التي تقلصت ربحيتها أو تلاشت بعد تراجع أسعار النفط. تطورات الإنتاج خارج أوبك ورد في البيان الصحفي للمنظمة حول المؤتمر الأخير، تقديرات بأن نمو المعروض العالمي من خارج المنظمة سيكون بحدود 700 ألف برميل في عام 2015م، وبذلك تراجع حجم نمو الإنتاج خارج أوبك إلى ثلث حجمه في عام 2014م. وتشير بيانات الإنتاج الأمريكية إلى أن حوالي نصف نمو الإنتاج النفطي خارج المنظمة في عام 2014م حدث في الولاياتالمتحدة. وقد نما إنتاج النفط الأمريكي الخام في أول خمسة أشهر من عام 2015م بحوالي 465 ألف برميل في اليوم. وارتفع إنتاج النفط الأمريكي بعد اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط في شهر نوفمبر من عام 2014م بأكثر من نصف مليون برميل يومياً. من ناحية أخرى، تشير العديد من المصادر إلى تراجع قوي في الإنتاج النفطي الكندي -الذي نما بقوة قبل تراجع الأسعار- بحوالي 600 ألف برميل يومياً في مايو مقارنة ببداية عام 2015م. ويعود نصف هذا التراجع لتأثير تراجع الأسعار، أما النصف الآخر فيعود لطوارئ بيئية في بعض مناطق الإنتاج. وتؤكد بيانات وكالة الطاقة الدولية، على أن الإنتاج النفطي خارج المنظمة كان أقوى مما كان متوقعاً خلال الربع الأول من عام 2015م، بما في ذلك الإنتاج الصيني والروسي والفيتنامي والكولومبي والماليزي. من ناحية أخرى، سيتراجع إجمالي النمو في الإنتاج النفطي العالمي خارج المنظمة من حوالي 2.2 مليون برميل في اليوم عام 2014م إلى حوالي 830 ألف برميل يومياً في عام 2015م. وتشير بيانات الوكالة إلى أن نمو إجمالي الإنتاج النفطي خارج أوبك كان قوياً في الربع الأول من عام 2015م مقارنة بالربع الأول من العام الذي قبله، حيث بلغت الزيادة حوالي 2.2 مليون برميل في اليوم. ومن المتوقع أن يتراجع إجمالي الإنتاج النفطي خارج أوبك بحوالي أربعمئة ألف برميل في الربع الثاني من عام 2015م، ثم يتراجع بحوالي 200 ألف برميل في اليوم في الربع الثالث قبل أن يرتفع بحوالي 400 ألف برميل في الربع الرابع من هذا العام. وعلى العموم تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يشهد عام 2015م ارتفاعا في متوسط الإنتاج خارج المنظمة بحدود 830 ألف برميل في عام 2015م مقارنة بعام 2014م. ويعتقد بعض المراقبين أن الوكالة تميل عادةً إلى رفع تقديرات الإنتاج العالمي من النفط خارج المنظمة. وتزيد تقديرات الوكالة حول نمو إجمالي الإنتاج العالمي خارج الأوبك عن تقديرات منظمة أوبك بحوالي 130 ألف برميل. الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط هذا العام بحوالي 1.1 مليون برميل في اليوم، مما يمثّل نسبة زيادة تقدر بحوالي 1.2%. وسيصل متوسط الطلب اليومي على النفط الخام وسوائل الغاز إلى حوالي 93.6 مليون برميل في عام 2015م. وكان متوسط الطلب اليومي على النفط الخام وسوائل الغاز قد وصل إلى 93.1 مليون برميل في الربع الأول من عام 2015م. وسيتراجع الطلب العالمي على النفط الخام وسوائل الغاز بحوالي نصف مليون برميل في اليوم في الربع الثاني لأسباب موسمية ثم يرتفع بحوالي مليون ونصف مليون برميل في الربع الثالث من 2015م. ويبلغ الطلب العالمي على النفط وسوائل الغاز قمته خلال العام في الربع الرابع بسبب موسم الشتاء، حيث سيرتفع مرة أخرى بحوالي 700 ألف برميل ليصل إلى 94.8 مليون برميل في اليوم. وسيأتي معظم نمو الطلب العالمي على النفط وسوائل الغاز هذا العام من آسيا، حيث سيرتفع الطلب هناك بحوالي 700 ألف برميل، وسينمو في كل من أمريكا والشرق الأوسط بحوالي 200 ألف برميل، بينما سينمو بحوالي 100 ألف برميل في أوروبا. وسيتراجع الطلب على النفط بعض الشيء في دول منظومة الاتحاد السوفيتي السابق. الفائض في المعروض العالمي من النفط تشير بيانات الإنتاج والاستهلاك في كل مصادر الطاقة العالمية، إلى أن هناك فرقاً واضحاً بين الإنتاج والاستهلاك لمصلحة إنتاج النفط الخام في الوقت الحالي، ومنذ فترة من الزمن. وللتخلص من هذه الفوائض يتم تخزينها إما على شكل نفط خام، أو تكريرها وتخزينها على هيئة منتجات نفطية. واستمرار الفوائض في المعروض النفطي العالمي يؤكد استمرار بناء المخزونات العالمية من النفط الخام والمنتجات خلال الفترة الماضية وحتى بعد تراجع أسعار النفط. وتشير تقديرات بعض مصادر الطاقة إلى نمو مخزونات النفط الخام العالمية بأكثر من 130 مليون برميل في الربع الأول من عام 2015م. بينما تشير البيانات الصينية إلى نمو في مخزون المنتجات النفطية الصينية وحدها بأكثر من 35 مليون برميل خلال الربع الأول. من ناحية أخرى، تراجعت مخزونات المنتجات -بدون سوائل الغاز- في دول منظمة التعاون والتنمية بحوالي 30 مليون برميل خلال الربع الأول، والذي يشهد عادةً بعض التراجع بسبب فصل الشتاء. ولا تتوفر بيانات عن مخزونات كثير من الدول خارج منظومة دول منظمة التعاون والتنمية، ولكن يبدو أن نمو المخزونات تركّز بدرجة كبيرة في أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم، ألا وهما الصينوالولاياتالمتحدة. ويوحي عدم توفر بيانات عن مخزونات كثير من الدول وزيادة تجارة المنتجات النفطية بوجود احتمالات قوية بارتفاع مستوى المخزونات من المشتقات النفطية لدى هذه الدول. وعلى العموم، تقف المخزونات النفطية في شهر مارس من هذا العام عند أعلى مستوياتها منذ منتصف 2009م عندما كانت أسعار النفط منخفضة. وقد أمتصت البنية التخزينية لمنظومة دول التعاون والتنمية والتخزين التجاري والإستراتيجي للصين والهند معظم الفائض النفطي العالمي. نجاح إستراتيجية أوبك يؤكد تراجع مؤشرات نمو الإنتاج العالمي للنفط خارج المنظمة في هذا العام نجاح إستراتيجية أوبك ولو جزئياً في الحصول على حصة متزايدة في الأسواق. وتفيد العديد من المصادر بأن إستراتيجية أوبك التي أدت إلى تراجع الأسعار، قد نجحت أيضاً في الحد من بعض مشاريع إنتاج النفط المكلفة في الدائرة القطبية أو المياه العميقة، كما تأثر إنتاج النفط من الرمال النفطية في كندا، وشهد بعض التراجع خلال الأشهر القليلة الماضية. ويتوقع الكثير من المختصين ارتفاع حصة النفط التقليدي في مزيج الطاقة خلال السنوات القادمة. وحققت بعض مصادر الطاقة والنفط غير التقليدي نموا جيدا خلال السنوات الماضية واستولت على جزء من حصة النفط التقليدي في مزيج الطاقة العالمي. وحلت بعض أنواع الطاقة بقوة محل النفط في بعض القطاعات، فقد أخرج الغاز الطبيعي النفط بصورة شبه كاملة من مجال توليد الكهرباء. وأدى تراجع أسعار النفط إلى إضعاف قدرة تعويض بعض منتجات الطاقة المتجددة للنفط. ويعتقد بأن إستراتيجية أوبك تهدف أيضا للتعرف على السعر الذي ستستقر عنده الأسعار في عصر النفط الصخري، والذي سيستمر لبعض سنوات. وقد بدأت أسعار النفط تستقر في الستينات من الدولارات للبرميل، ويبدو أن المستوى المنخفض لأسعار النفط سيستمر لعدة سنوات. وعلى الرغم من الفائض الكبير في المعروض العالمي والذي يقدره البعض بحوالي 2.8 مليون برميل في اليوم في الوقت الحالي، إلا أن أسعار النفط الخام تبدو متماسكة في وسط الستينات من الدولارات للبرميل. من ناحية أخرى، يرى كثير من المختصين أن الأسعار الحالية تواجه تهديدات بالتراجع بسبب استمرار نمو المخزونات العالمية النفطية، وما لم تتم عملية تقليص للتخمة النفطية العالمية، ويتم تحقيق توازن بين الإمدادات النفطية ومستويات الاستهلاك، فإن الفائض الكبير في المخزونات سيضغط عاجلاً أو آجلاً على الأسعار الحالية للنفط ولفترة من الزمن. ويبدو أن المنظمة أدركت ذلك، ولهذا فإنها ستستمر في سياسة الانتظار لاتخاذ أي قرارات حاسمة بشأن مستويات الإنتاج أو الأسعار. قررت «أوبك» الحفاظ على حصة الإنتاج النفطي الحالية للمنظمة