يحظى مشروع الخصخصة باهتمام وترقب شريحة كبيرة من مسؤولي الاندية الرياضية، ويرى الكثيرون في الوسط الرياضي ان الخصخصة هي المفتاح السحري الذي يمكن ان يفتح ابواب النجاح للأندية الرياضية السعودية، ويقدم حلولا لأزماتها المالية والادارية ويطالب الكثيرون منهم بالاقتداء بالأندية الاوروبية التي حققت نجاحا على المستوى الفني والمالي والإداري لأنها اندية يملكها ويديرها باحترافية القطاع الخاص. الجزء الأول: نظرة عامة في اعتقادي ان الخصخصة يمكن ان تحدث نقلة نوعية غير مسبوقة ليس على مستوى كرة القدم والأندية الرياضية فقط بل على مستوى القطاع الرياضي والشبابي، ولكن ذلك يتطلب تحقق أمرين الأمر الاول: تضافر جهود عدة جهات على رأسها الاندية الرياضية والتي يجب ان تبادر لتهيئة الارضية المناسبة لانطلاق مشروع الخصخصة عبر اتخاذ بعض الخطوات التي سنأتي على ذكرها في مقال مستقل. ثم الاعلام الرياضي الذي يجب ان يسلط الضوء على جوانب كثيرة في هذا المشروع الذي يمثل مفترق طرق للرياضة السعودية والرئاسة العامة لرعاية الشباب، الجهة المشرفة على هذا المشروع منذ بدايته، ينبغي ان تطلع وتشرك مسؤولي الاندية الرياضية المستهدفة بالخصخصة ورجال الاعمال وهم من ستؤول لهم ادارة وملكية الاندية الرياضية على ما يستجد في هذا المشروع والاستئناس بآرائهم وملاحظاتهم. وهناك جهات حكومية اخرى يمكن ان تساهم في انجاح مشروع الخصخصة مثل البلديات وإمارات المناطق. الامر الثاني: نظرا الى ان خصخصة القطاع الرياضي خاصة الاندية تعتبر تجربة جديدة ولأن الاندية لا تهدف الى تحقيق الربح في المقام الاول واحتمال ان يكون هناك عجز في مواردها المالية وهذا ما تعاني منه كثير من الاندية الاوروبية؛ لذا ينبغي ان تكون للأندية الرياضية استثمارات خارج نشاطها الرياضي لتغطي العجز المالي المحتمل حدوثه. عموما مشروع التخصيص في المجال الرياضي متشعب ويحتاج الى تسليط الضوء على بعض الجوانب التي لم يتم التركيز عليها بالقدر الكافي، لهذا سوف أوضح رؤيتي عن خصخصة القطاع الرياضي في عدة مقالات.. في كل مقال سأطرح سؤالا وأحاول الاجابة عليه. وسيكون التركيز على خصخصة الاندية الرياضية أكثر من بقية مكونات القطاع الرياضي. آمل أن تساهم هذه المقالات في تحريك المياه الساكنة وتقديم أفكار جديدة توسع مجالات تطبيق الخصخصة خاصة الجانب المرتبط بخدمة الشباب والمنشآت الرياضية. ما هي الخصخصة؟ وكيف نطوعها لخدمة الرياضة والشباب؟ الخصخصة او التخصيص مصطلح اقتصادي انتشر على نطاق واسع في مختلف دول العالم في العقود الثلاثة الاخيرة خاصة بعد نجاح تطبيق هذه التجربة في بريطانيا في بداية الثمانينات ميلادية من القرن الماضي. وقد تبنت دول كثيرة سياسة التخصيص نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر بريطانيا، فرنسا، امريكا، كندا، روسيا، المملكة العربية السعودية، مصر، المغرب، نيجيريا، اليابان، كوريا، ماليزيا، الارجنتين، البرازيل، إيران وغيرها. تعرف الخصخصة او التخصيص بأنها عملية تغيير في ملكية او ادارة المؤسسات والمشاريع والخدمات من القطاع العام الى القطاع الخاص اعتمادا على آليات السوق، وذلك بتطبيق اساليب مختلفة مثل عقود الادارة والتشغيل، البيع الكلي او الجزئي، الايجار، عقود التمويل. الخصخصة هي «وسيلة» للتحول من القطاع العام الى القطاع الخاص. ويجب ان يحقق هذا التحول تحسنا في الخدمة المقدمة للمستهلك مع الحفاظ على الاسعار وان يكون المشروع المراد تخصيصه ذا جدوى اقتصادية يجذب المستثمرين. تختلف المرافق والخدمات العامة التي ترغب الدولة في تخصيصها في مدى قدرتها على جذب المستثمرين تبعا لطبيعتها وقدرتها على تحقيق عائد مالي مجز. لذلك قد تتخذ الدولة في بعض المشاريع المستهدفة بالخصخصة التي لا تلقى اقبالا من قبل المستثمرين عدة إجراءات قبل طرحها للتخصيص مثل اعادة تأهيل او تجزئة المشروع او تقديم تسهيلات او اعفاءات او اعانات للمستثمرين، خاصة اذا كان المشروع غير مربح وله ارتباط بشريحة كبيرة من المجتمع مثل مشروع تحلية المياه المالحة على سبيل المثال. أعتقد ان قطاع الرياضة بمختلف مكوناته من تلك المشاريع التي تتطلب اتخاذ اجراءات تأهيلية وابتكار أفكار تجعل تخصيصها أكثر قبولا وجذبا للمستثمرين. ما هي مكونات القطاع الرياضي القابلة للتخصيص؟ مكونات القطاع الرياضي المستهدفة «رسميا» في التخصيص هي فقط الاندية الرياضية او بعبارة اكثر دقة فرق كرة القدم في اندية الدوري الممتاز ومقراتها المملوكة للرئاسة العامة لرعاية الشباب، هذا طبعا توجه الرئاسة العامة لرعاية الشباب المعلن منذ سنوات توج بتشكيل فريق عمل التخصيص وتنمية الموارد المالية والذي انجز المهمة ورفع توصياته الى الرئيس العام لرعاية الشباب قبل حوالي سنة ونصف. في اعتقادي يمكن تخصيص أكثر من عنصر في القطاع الرياضي بالإضافة الى الاندية الرياضية في مقدمتها المنشآت الرياضية «الملاعب والمدن الرياضية وبيوت الشباب» وهي تحت اشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب، والقنوات الرياضية الحكومية وهي تحت اشراف وزارة الثقافة والاعلام، والساحات او الملاعب الشعبية في المدن المختلفة وهي تحت اشراف وزارة البلديات. سيتفاوت اقبال القطاع الخاص على الاستثمار في عناصر القطاع الرياضي إذا ما قررت الدولة تخصيصها اذ من المتوقع اقبال المستثمرين على الاندية الرياضية الجماهيرية ومعها ثلاثة او اربعة اندية اخرى، أما مقرات هذه الاندية فمن الصعب التوقع بمدى الاقبال عليها الا إذا قيمت بأقل من قيمتها السوقية. كذلك من المتوقع اقبال المستثمرين على شراء جزء او كل قيمة القنوات الرياضية إذا تقرر تخصيصها؛ لأنها ذات جدوى اقتصادية بخلاف بقية عناصر القطاع الرياضي والتي تحتاج الى اعادة تأهيل ومنح المستثمرين بعض الامتيازات وتبني افكار استثمارية جديدة من شأنها خلق موارد مالية اضافية لتصبح جميع مكونات القطاع الرياضي، بما فيها الاندية الرياضية التي سيتضاعف الاقبال على الاستثمار فيها، ذات جدوى اقتصادية. هذه الافكار الاستثمارية سنناقشها في الجزء الثالث. ان الهدف المشترك لتخصيص مكونات القطاع الرياضي هو تغيير نمط ادارتها وفق اساليب القطاع الخاص لتصبح قادرة على تمويل نفسها ذاتيا دون الحاجة الى اعانات او مساعدات وتصبح أكثر استقرارا. هل الاندية الرياضية مملوكة للدولة حتى يتم خصخصتها؟ الاجابة الصحيحة عن هذا السؤال اولى خطوات نجاح الخصخصة. اتضايق كثيرا عندما اسمع رئيسا لناد رياضي في الدوري الممتاز او اعلامي مشهور يردد بعفوية ان الاندية الرياضية مملوكة للرئاسة العامة لرعاية الشباب. على الجانب الاخر يختار «بعض» المنتمين للوسط الرياضي عبارة أكثر دقة عندما يصف الاندية الرياضية بأنها «تابعة» للرئاسة العامة لرعاية الشباب. علينا ان نميز بين مقرات الاندية الرياضية المملوكة للرئاسة العامة لرعاية الشباب والاندية الرياضية ككيانات والتي تأسست من قبل جماهير الاندية قبل بناء مقراتها من قبل الرئاسة بسنوات طويلة بل ان تأسيس ونشأة كثير من الاندية الرياضية يسبق تأسيس الرئاسة العامة لرعاية الشباب. لا أحد ينكر ما تقدمه الرئاسة العامة لرعاية الشباب من اعانات مالية وأخرى غير مالية على اشكال متعددة للأندية الرياضية لمساعدتها على اداء رسالتها. كنتيجة لتقديم هذه الاعانات زاد الدور الرقابي والاشرافي في الامور المالية والادارية للرئاسة العامة على الاندية الرياضية وقد انعكس ذلك بوضوح على التشريعات التي اصدرتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب مثل اللائحة الاساسية الموحدة للأندية الرياضية واللائحة المالية للنادي الرياضي ولائحة هيئة اعضاء الشرف ولائحة العاملين بالأندية الرياضية. ان افتقار المملكة في بداية السبعينات الميلادية الى البنية التحتية الرياضية المناسبة وانطلاق دورة الخليج العربي لكرة القدم وضعف الموارد المالية للأندية الرياضية ورغبة الرئاسة العامة لرعاية الشباب في احداث طفرة رياضية كانت من اهم الاسباب التي دعت لبناء المنشآت الرياضية المختلفة وتقديم المساعدات والدعم للأندية الرياضية. تطبيق نظام الاحتراف في كرة القدم في النصف الاول من التسعينات الميلادية بدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب وما تطلبه من زيادة الانفاق المالي زاد من اعباء ادارات الاندية الرياضية «المتطوعة» التي لم تستطع تطوير مواردها المالية التي يتطلبها نظام الاحتراف؛ لذلك لجأت الاندية «الجماهيرية» الى كبار مشجعيها الموسرين للحصول على دعمهم المالي لمواجهة نفقات الاحتراف المتزايدة ومنحتهم العضوية الشرفية ثم انتقلت العدوى لبقية الاندية الرياضية. استمرار الاعتماد على اعانات الرئاسة العامة لرعاية الشباب للأندية الرياضية وتبرعات اعضاء الشرف والنظام التطوعي في ادارة الاندية الرياضية كان له تأثير سلبي على الاندية الرياضية. لقد طرح مشروع تخصيص الاندية الرياضية كوسيلة لمعالجة كثير من السلبيات في الاندية الرياضية، ولكن لا ينبغي ان يبنى هذا المشروع الذي طال انتظاره على فهم خاطئ لطبيعة العلاقة بين الاندية الرياضية والرئاسة العامة لرعاية الشباب. المنشآت الرياضية بحاجة للأستثمار