خلال جمعتين متتاليتين فُجع الوطن كله بتفجيري القديح وحي العنود اللذين لقيا استنكاراً واسعاً وغضباً عارماً من عامة شرائح المجتمع السعودي بكافة أطيافهم واتجاهاتهم. لقد كانت طعنة غادرة أراد منها الُجناة إشغال الوطن وإشعاله لأن القوات المسلحة السعودية تخوض حرباً باسلة منذ أسابيع على حدودها الجنوبية لقطع الأذرع الأجنبية التي تسللت لخاصرة الجزيرة العربية مهددة أمن هذه البلاد واستقرارها. إن منجز «الأمن والاستقرار» منجز ينعم به كافة أطياف الوطن باختلاف مذاهبهم وأفكارهم وتياراتهم، والمجتمعات الناضجة هي التي تضع نصب عينيها هذا المنجز الكبير، وتحاصر أي فئة تهدد هذا الأمن والاستقرار وتعزلها عن أي شريحة مجتمعية قد تتعاطف معها لأي سبب من الأسباب. المتابع للردود الشعبية بعد الساعات الأولى من الحدث الإجرامي يلحظ اجماعاً سعودياً على استنكار الجريمة ورفضها واعتبارها دخيلة على هذا المجتمع، ولا أدل على ذلك من أن التنظيم الذي تبنى الجريمة يعيش خارج هذا البلد والمتأثرون بأفكاره من الداخل قلة هامشية لا تختلف نسبتهم عن نسبة المتأثرين به من الشباب العربي في بلد عربي لا توجد فيه مناهج دينية كتونس مثلاً، بل إن تقارير غربية تحدثت عن انضمام الآلاف لداعش من الدول الأوروبية، وهذا كله يؤكد أن عزو أسباب ظهور الجماعات المسلحة لمناهج أو تيارات أو أفكار محلية عزو تعوزه الدقة والموضوعية. إن من الحكمة التي ينبغي أن يراعيها قادة الرأي والفكر في المجتمع السعودي من كل المذاهب والتيارات هو الحرص على لم شمل المجتمع وتوحيده على أرضية رفض هذا العمل الإجرامي وأمثاله، والنأي بالجماهير والمجتمع عند تحليل الحدث ومعالجته عن الصراعات العقائدية والفكرية بين التيارات والمذاهب فوحدة هذه البلاد وقوتها وأمنها «مكسب كبير» ينعم فيه كافة المكونات، ومواطن الخلاف والجدل يمكن إدارتها في مكانها وزمانها المناسبين. ليس من مصلحة الوطن ولا من مصلحة مكوناته ولا تياراته من السنة والشيعة تقسيم أو تفتيت إجماع المجتمع السعودي الشعبي ضد الجريمة إلى قضايا خلافية لها جذورها التاريخية والفكرية والعقائدية حول المناهج الدراسية أو الخطاب الديني عند السنة أو الشيعة، فلكل قضية من هذه القضايا أنصار وخصوم ومؤيدون ومعارضون، وتحويل النقاش المجتمعي من رفض هذه الجريمة ومحاصرة مؤيديها إلى قضايا خلافية خطأ فادح لا تفعله المجتمعات الراشدة والأمم الناضجة، فالإجماع الشعبي هو أيقونة أمن الوطن بعد عون الله وتوفيقه. نسأل الله أن يسبغ على هذا الوطن نعمة الأمن والإيمان وأن يكفينا شر كل ذي شر إنه قوي عزيز.