في البداية، نعزي أهلنا وإخواننا في قرية الدالوة بالأحساء على مصابهم الجلل، ونعزي أهل الضحايا الذي سقطوا بأيدي التطرف والإرهاب، ونقول لهم: إن مصابكم مصابنا، وجراحكم هي جرح للوطن بعامته وخاصته. لقد كانت الأحساء طيلة قرون مثالا لذلك التعايش بين الطائفتين: السنية والشيعية حتى على مستوى الحارة الواحدة، ولم تكن هناك أي مشكلة، وجريمة الإرهاب التي وقعت إنما جاءت لتحاول ضرب عمق التعايش المذهبي، ولكن جاء الاستنكار والتعاطف المجتمعي مع أهل الأحساء دليلا على قيمة التعايش وفرض الأمن على كل من يفكر في تهييج الطائفية، وخرج بيان هيئة كبار العلماء ليدين العملية الإرهابية ويعتبرها جريمة في حق المواطنين. المجتمع السعودي بعامته عانى من مشاكل الإرهاب. هذه المرة توجهت يد الإرهاب لتغتال إخوة لنا في قرية الدالوة بالأحساء، فحينما عجزت عن زعزعة الأمن بعملياتها الإرهابية منذ 2003 ها هي تحاول أن تحرك المسألة الطائفية، لكن المجتمع السعودي يرفض ذلك، ويتذكر كيف أن الجميع عانوا من التطرف والإرهاب. وقد شدد عدد من المثقفين في المنطقة على أن الحادثة لا صلة لها بالمذهبية، وإنما هي يد الإرهاب التي عانى منها الجميع، وهذا الموقف يتكرر لدى عدد كبير من المواطنين الشيعة ومثقفيهم الذين نعرفهم، كما ثمن علماؤهم بيان هيئة كبار العلماء، ما يعني أن التعايش ما زال باقيا في هذا المجتمع، ولن تضيره بعض الحوادث القاسية، بل إن أمن المواطنين يكاد يصبح ثابتا من الثوابت الوطنية لهذا المجتمع. لا يمكن أن يتنازل المجتمع السعودي عن قيمة الأمن مهما اختلف في تياراته وثقافته ومذاهبه، فالأمن خط أحمر، والدليل أن المجتمع بمختلف أطيافه قام بدحض الإرهاب، ووقف بكافة تياراته ضده، حتى يمكن أن يكون هو المشترك الوطني الأكبر إلى جانب مشتركات أخرى بين كافة المختلفين في هذا المجتمع. هذا المجتمع كما ركز على قيمة الأمن بعد الحادثة وأهمية التلاحم الوطني، مما عزز الوحدة الوطنية أكثر بين مختلف المذاهب، الأمر الذي جعل القضية تنقلب على الإرهاب، بحيث تحول المجتمع بكافته إلى غير ما أراد هؤلاء الإرهابيون من تأجيج الطائفية في السعودية، بل بالعكس زاد تلاحمهم ووقوفهم ضد هذا العمل المشين أقول: كما ركز المجتمع على قيمة الأمن بعد الحادثة، فإن التركيز من قبل كافة الأطياف الفكرية والاجتماعية أكثر على مسألة التعايش، وإعطائه قيمة أعلى، فإن كل مشاكل التطرف، عند البعض، سوف تنخفض إلى أقل مستوياتها، فالتعايش يضرب في أساسات التطرف، ويكسر تلك القاعدة التي يتكئ عليها المتطرفون في بث رؤاهم. المجتمع السعودي مجتمع متعدد الأطياف، وإن غلب عليه شكل واحد، وهو المحافظة؛ إلا أن هناك الكثير من الأفكار والتيارات والطوائف الموجودة والمتعايشة على المستوى الفعلي منذ سنوات طويلة، وليست بالجديدة على الناس إلا صور نمطية من السهولة أن نتجاوزها مع التعايش اليومي والفعلي وعلى أبسط المستويات، فما بالك بالمستويات العليا التي عادة تثبت قيمة التعايش كما ظهر في البيانات التي ذكرناها عاليا. إن قيمة التعايش قيمة اعتبارية في مفهوم الدولة الحديثة، وتتكئ عليه غالبية المجتمعات، ومجتمعنا من ضمنها، على مستوى الممارسة دون التنظير. فقط نحتاج إلى قانون يجرم العنصرية بكافة أشكالها، بحيث نقطع على التطرف أي طريق يمكن الدخول إليه في زعزعة أمننا واستقرارنا ووحدتنا.