«بريك Break» كلمة في الإنجليزية تعني فسحة من الوقت للراحة بعد جهد مبذول، ولأن الأجواء الطائفية يعتريها توتر مجهد فقد شارك الداعية السعودي الدكتور سعد البريك في «Break» إعلامي مذهبي مع الشيخ الشيعي السعودي حسن الصفار في حلقة مثيرة من برنامج «البيان التالي» الجمعة المنصرمة في قناة «دليل»، الذي يقدمه ويحقق فيه نجاحا لافتا ومطردا الزميل د. عبد العزيز قاسم، وحين أصف الحلقة بالمثيرة فلا أقصد محتواها فحسب، فمجرد أن تجمع بين قطبين يمثلان مذهبين مختلفين «السنة والشيعة» فهذا بحد ذاته «بهارات» كافية لطبق إعلامي «حراق»، لكن المثير هنا أن هذه الحلقة بالذات تعتبر «سابقة»، على حسب علمي، لقناة فضائية يملكها ويوجهها سعوديون بل محسوبون على التيار الإسلامي السلفي ويستضيفون فيها شيخا شيعيا يعتبر أحد مراجع الشيعة النافذين والمؤثرين في السعودية. من الطبيعي أن تجد مثل هذه الاستضافة وفي هذه المرحلة الزمنية ردود اعتراض واسعة يصل بعضها حد السباب والشتائم للمقابلة؛ مقدمها وضيوفها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه ومؤيدها وقناتها وقمرها عرب ساته ونايل ساته، لكن مثل هذه الاستضافة الإعلامية في تقديري مهمة لأنها تفتح أفقا واسعا كي تفهم الأطياف المذهبية في الوطن بعضها بعضا بصورة صحيحة غير مشوشة ليس فيها تسليم العقل للغير، لقد أمسى مبدأ «افهمني وأفهمك» ضرورة لا بد منها للطوائف الدينية أو المذهبية التي يضمها أي وطن واحد على وجه كوكبنا من أجل السلم المجتمعي، ولا بد من تأكيد حقيقة واضحة لكنها مشوشة عند الكثير وهو أن مبدأ التعايش والتفاهم والحوار والتزاور ليس له علاقة البتة بموضوع التقريب بين المذاهب. إن لقاءات التفاهم والتعايش لا يصح أن تنزع إلى الغوص في الكتب والمراجع وتسليط المجاهر على الفروق ونبش إحن الماضي ومحنه وأحزانه وأشلائه ودمائه بصورة انتقائية، كما لا يصح أيضا أن يترك للأصوات المتشنجة المتوترة أن تقود الرأي العام لدى أتباع هذا المذهب أو ذاك، بل يجب أن يتصدى العقلاء المؤثرون عند هؤلاء وهؤلاء لقيادة دفة التفاهم للإبحار بالسلم الطائفي بعيدا عن أمواج الطائفية العاتية، ولنا في العراق عبرة حين جره المتشنجون من الطرفين إلى تدمير أمنه واستقراره وازدهاره، وفي تقديري أن لقاء البريك - الصفار كان، على الرغم من الخطأ في عدم الثبات على محاور وموضوع الحلقة، بداية معقولة ومشجعة. لا بد أن يدرك المنتقدون لهذا النوع من الحوارات أن التضاريس العقائدية قدر إلهي نافذ وسنة كونية ماضية تماما مثل التضاريس الجغرافية، فكما يتكيفون مع التضاريس الجغرافية من جبال وأودية وسهول ومنخفضات، وكما أنهم لا يستطيعون إزالتها ولا تغيير طوبوغرافيتها، فكذلك التضاريس العقائدية، ليس ثمة خيار غير التعايش معها وفهم كنهها وطبيعتها. كانت الحلقة «البريكية الصفارية» في تقديري درسا عمليا في فن الحوار يتجاوز غرف الحوار المغلقة التي تقتصر على النخب والمثقفين، قالت لي ابنتي تيماء ذات التسع سنوات وهي تتفرس في وجه الشيخ حسن الصفار، هل هذا شيخ سعودي؟ واضح من سؤالها أنها أبصرت في قسمات وجهه ملامح سعودية، لكنها استغربت أن ترى شيخا سعوديا معمما، قلت لها نعم، وكانت فرصة لإعطائها جرعة تناسبها كي تتعرف على تضاريس بلدها العقائدية بطريقة وصفية موضوعية، تحفظ سياج معتقدها من أن يخترق، وفي ذات الوقت تتعرف على سياجات المذاهب الأخرى دون أن يجرحها ما شاك من أسلاكها.