كثيرا ما نتهم أبناءنا بأنهم لا يتحدثون معنا بتفاصيل يومهم، ولو دققنا في سبب المشكلة لوجدنا أن طريقة سؤالنا لهم كانت خاطئة، فعندما نسألهم سؤالا مفتوحا مثل: ماذا عملت بالمدرسة اليوم؟ فيكون جوابه: ولا شيء أو درسنا، ثم نستغرب أنه لم يتكلم معنا بتفاصيل يومه، بينما لو غيرنا صيغة السؤال وقلنا له: ماذا قال لك معلم الرياضيات؟ أو مع من لعبت اليوم في الفرصة؟ لكان الجواب مختلفا وتحدث الابن بتفاصيل وبقصص حدثت معه، لأن صيغة السؤال اختلفت. مثلما نقول للابن ما الذي يعجبك بوالدك؟ فيجيب جوابا عاما ويقول: كل شيء، بينما لو سألناه بطريقة أخرى مثل: اذكر لي ثلاث صفات تعجبك بوالدك ففي هذه الحالة سيتحدث بتفاصيل مهمة، فصيغة السؤال هي التي تجعل من أمامنا يتحدث أو يصمت، فكلما كان السؤال محددا ساعدنا من أمامنا أن يتكلم بتفصيل ويخرج ما في نفسه، كما أن السؤال أداة مهمة لجذب الانتباه خاصة قبل تقديم المعلومة، فالمتلقي يركز أكثر عندما يبدأ الكلام معه بسؤال، لأن السؤال يشد الانتباه ويحفز العقل ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينوع في طريقة طرح الأسئلة حتى يشد الانتباه، ومن أمثلة ذلك قوله (يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟) فيلفت نظر معاذ بمثل هذه الصيغة من السؤال، أو قوله عليه الصلاة والسلام (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) فيزيد من تركيز الصحابة ثم يجيبهم عن هذا السؤال، أو قوله (هل تدرون ماذا قال ربكم؟) أو (ألا أخبركم بخياركم ؟) وهكذا، فإن هذه الأحاديث النبوية لها تكملة ولكني اخترت بداية كل حديث حتى أبين كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخدم علامة الاستفهام لشد الانتباه ولفت النظر، وقد استخدم نفس الأسلوب مع الطفل الصغير (أبا عمير) عندما مات عصفوره وكان حزينا جالسا لوحده فطرح عليه النبي-صلى الله عليه وسلم- سؤالا ليخرج ما في نفسه من مشاعر الحزن، فقال (يا أبا عمير ما فعل النغير؟) بل جعل الله السؤال وسيلة التعلم فقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، ولهذا تفيد الدراسات والأبحاث أن معدل متوسط أسئلة الطفل من عمر ثلاث إلى خمس سنوات بحدود (300) سؤال باليوم، وهذا الكم الكبير من الأسئلة يدفع الوالدين للتعلم والاهتمام بتنمية معارفهم ليستطيعوا الإجابة عن الأسئلة الكثيرة، لأن الطفل في هذه المرحلة يكثر من قول (لماذا) لأنه يريد أن يكتشف الحياة، ولهذا فإن بعض الآباء يرتكبون مع أطفالهم جريمتين في حق السؤال، الجريمة الأولى هي اسكات الطفل عندما يكثر من الأسئلة، والثانية عدم الإجابة عن أسئلته والصواب أنه ينبغي أن نعطي مكافأة لمن أحسن السؤال أو حتى الجواب، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكافئ من أحسن الجواب على سؤاله ويتضح ذلك في قصة الرجل الذي دخل المسجد مسرعا ليلحق بالصلاة ولما وقف بالصف قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما قضى النبي عليه الصلاة والسلام قال: من المتكلم؟ فسكت القوم، فقال مثلها، فقال: من هو؟ فإنه لم يقل بأسا، أو قال خيرا، قال الرجل: جئت يا رسول الله، فأسرعت المشي فانتهيت إلى الصف وقد انبهرت أو حفزني النفس فقلت الذي قلت، فقال: «لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها إليه، ثم قال: إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليمش على هنيته، فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه»، فما كان هذا الصحابي يتوقع أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يحاوره بهدوء على خطئه وأنه كذلك يكافئه على جوابه، فالسؤال والجواب مهارة نتعلمها ولهذا لما سئل ابن عباس رضي الله عنه عن علمه من أين تعلمه قال من (لسان سؤول وقلب عقول). *الخبير والتربوي والاجتماعي