قبيل انعقاد مؤتمر قمة شرم الشيخ الأخير، كانت السعودية قد اعطت الضوء الأخضر لبدء عاصفة الحزم، وكانت مشاورات الحرب قد تمت بشكل محدود جدا، وتكاد تكون سعودية بالدرجة الأولى وخليجية أيضا، وكانت باستمزاج مع الدوائر الأمريكية، لكن قرار الحرب كان سعوديا بامتياز. الرياض كانت لها قراءة استراتيجية هامة، واظن أن هذه القراءة ستحتاج يوميا إلى مزيد من التفصيلات، فالملك سلمان لم يمض عليه أيام وقد استلم الحكم، وقد اتخذ سلسلة من الاجراءات غير العادية والاستثنائية، وكانت وكأنها قرار يستحق ما ذهب من سياسات لم تعط اهتماما لازما لحجم المتغيرات الاقليمية، فكانت قرارات الملك بحجم التحديات. الاولويات فقبل الحرب، استلم الملك سلمان -يحفظه الله- العديد من الملفات والأزمات والقضايا الساخنة، وكل قضية منها تعتبر من الاولويات، نظرا لدورها في البناء الجيوسياسي في المنطقة، وكانت صنعاء بعد أن استشعرت إيران أنها لن تتمكن من الحسم في سوريا، وان الزمن ليس في صالحها، وانها ترغب بمحاصرة الرياض من كل جانب، كما أن الرياض كانت ترى تفجر الأزمات من حولها، وأن الدول التي لايران يد فيها تتحول إلى دول فاشلة، وبيئة خصبة للارهاب، فتغيب الدولة وتحضر الميليشيات، وتصبح المسؤولية التاريخية أكبر مما مضى. والرياض التي كانت تراقب السلوك الايراني في المنطقة، وتراقب التراجع في السلوك السياسي الأمريكي، وجدت أن الاستراتيجية السعودية الجديدة يجب أن تكون مختلفة عن السابق، وان الرياض يجب أن تعتمد على نفسها من الآن وصاعدا، وألا تعتمد فقط على علاقاتها مع واشنطن، وكانت الرسائل الأمريكية العلنية والسرية تفيد بأن على الرياض أن تعمل من الآن وصاعدا على أن تكون مختلفة في سياساتها وأدواتها وآلياتها . هذه القراءة جاءت بعد العجز الأمريكي في العراق وفي سوريا وفي القضية الفلسطينية، ووجدت ايضا التوظيف الايراني الأمثل للتراجع الأمريكي، وان إيران بدأت تلجأ الى نظرية ملء الفراغ الناشئ عن الغياب الأمريكي، وبدأت إيران محاولاتها الرامية لان تكون القوة القائدة والفاعلة، ضمن خطاب طائفي تحريضي، ورغبة حقيقية في الهيمنة، وكانت تداعيات الربيع العربي واضحة، تؤكد أن إيران حاولت توظيف خطاب الثورة الايرانية وأدبياتها لصالح المتغيرات الجديدة، وان ما يجري صحوة إسلامية، لكنها في ذات الوقت كانت تتبنى نظرية السيطرة والنفوذ وادامة التوتر في المنطقة. استراتيجية جديدة وجاء الملك سلمان بسياسة واستراتيجية جديدة، أكثر فاعلية ودينامية للسياسة السعودية، في سياسة تتسم بالجرأة والانضباط، سياسة الاعتماد على الذات، سياسة تعتمد في معالم قوتها على عاملين رئيسيين الأول: ملك جديد وسياسة جديدة، والثاني: قراءة دقيقة لعوامل القوة السعودية والخليجية والعربية، وعوامل الضعف أيضا، هذه الجرأة نظرت إليها طهران بأنها تغريد خارج السياق ونمط جديد من السياسات المرفقة بالفعل. إيران التي استنفرت أدواتها وامكاناتها لتعطيل الحزم السعودي، لادخال صانع القرار السعودي في قضايا ثانوية، لكي تحافظ على غياب الحضور السعودي، وليستقر الأمر اقليميا لها وليس لغيرها، وكان للملك ومستشاريه رؤية اخرى تفيد بأن مجرد الاستسلام للدور الايراني في المنطقة في ظل التراجع الأمريكي، وفي ظل بحث الامريكان عن مصالح اقتصادية أولا، وفي ظل غياب القوة العربية القائدة، فان الخاسر هو الرياض ودول الخليج والمنطقة، ولهذا كان على السياسة السعودية العمل بوتيرة أعلى جدا من السابقة، لا بل ان ماراثون السياسة السعودية كان عاليا جدا، وكان ديدن السياسة الكتمان والفعل المؤثر. في هذه الأثناء اطمأنت الرياض لعدة عوامل رئيسة وهي أن المملكة مازالت قوة فاعلة ومؤثرة اقليميا ودوليا، وان الملك سلمان استطاع ترتيب البيت الداخلي، وحصل على دعم وتأييد استثنائي سعودي وخليجي، وطمأن الملك قادة دول الخليج بأن السعودية ستظل حريصة دائما على أمنهم واستقرارهم، وانها لن تقبل بتاتا الاعتداء على أي دولة خليجية أو التأثير عليها، وكانت سياسة الوضوح مع الاشقاء ان قربت المسافات والغت الحواجز، وحصل التقارب، وهو التقارب الذي كان سابقا لعاصفة الحزم أو نتاجا لها. تغيير السياسة ورث الملك سلمان ثلاثة أشياء رئيسة استدعت السياسة تغييرها أو تعديل اتجاهاتها، أو اعادة قراءتها من زاوية المصالح السعودية والخليجية، ولعل أولى هذه المحطات كان في الالتزام السعودي بدعم مصر والرئيس عبدالفتاح السيسي، اعادة النظر في العلاقات السعودية التركية وتفعيلها على نحو غير عادي، والأمر الثالث تمثل وان كان بشكل غير مباشر، بفتح الابواب مع الاخوان ولكن هذه المرة ضمن دائرة المتغيرات، وفي اطار أمن واستقرار مصر. في هذه الأثناء استعادت الدبلوماسية السعودية رشاقتها، وتضاعفت معالم هذه الرشاقة بعد سلسلة القرارات الملكية المتمثلة في تقديم الجيلين الثاني والثالث، وايضا في الغاء المجالس، واعتماد مجلسي السياسات والأمن، والاقتصاد والتنمية، وهما المجلسان اللذان اعتبرا من أبرز المتغيرات في المملكة، فالملك يحكم من خلال مجلسين يرأس الأول ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ويرأس الآخر الأمير محمد بن سلمان، وهنا كانت الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية تأخذ دورتها الجديدة في مؤسسة صناعة القرار، وأصبحت فاعليتها واضحة، وتبين ايضا أنها تمضي قدما وفقا لاستراتيجية سعودية واضحة. تحركات فاشلة وقبيل انعقاد قمة شرم الشيخ في مصر سرت شائعات حول رؤية الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، حول أمرين الأول انه أراد بهذه القمة تقديم مصر كقوة قائدة، وهو ما لا تعترض عليه السعودية، فالمملكة كانت ومازالت الداعم الرئيس لمصر وللرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لكن مصر التي دخلت في قطيعة مع الاتراك بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وغضب الرئاسة التركية من هذا التغيير، وان هيكل الذي زار بيروت والتقى حسن نصر الله، وزار طهران، مازال مسكونا بأفكار سياسية تقليدية كلاسيكية حول ضرورة ان تكون السياسة المصرية مستقلة عن السعودية والخليجية وان تستعيد مصر مكانتها الاقليمية والدولية وذلك بالانفتاح على ايران وروسيا، وهذا طبعا يعني الانفتاح على سوريا رغم حجم الدماء التي سالت في سوريا، وهو يشاهد كيف تفرض إيران وجودها بالقوة وبالدماء ايضا، فيما يستكثر هيكل بعقدته القديمة الحديثة من الخليج، الخليج الذي اصبح ماهرا في السياسة والعلاقات الدولية. ولان الدينامية السعودية، اصبحت مبادرة، ولا تحبذ الانتظار كثيرا، وهي تدرك انها الدولة الثانية فعلا بعد أمريكا في بناء التحالفات العسكرية، وان الدول الاقليمية مشغولة بمشكلاتها الداخلية، وان ما يجري على الأرض من متغيرات يستدعي اتخاذ قرار الحزم لضبط الساعة العربية وفقا لتوقيت مكةالمكرمة، فكان قرار الحزم عاجلا وصادما للآخرين، الامر الذي استدعى البعض إلى تغيير اجنداته ورؤاه. في هذه الأثناء، كان هيكل يظن ان الوقت لصالحه، وانه قادر على أن يصمم السياسة، كما يكتب الافكار ويدون الملاحظات، لكن من طبع السياسة التغير والتحول، ولهذا استعد هيكل بكامل قيافته وبرتوكولاته ليطلب من قناة سي بي سي لمحاورته تلفزيونيا وليكون البث قبيل القمة، ليصبح هيكل متنبئا بقراراتها، لا بل وصانع هذه القرارات، وكانت مشكلة اليمن قد تفاقمت ليس بسبب عدم قدرة اليمنيين على الوصول إلى حلول سياسية لمشكلاتهم، بل ان المشكلة اليمنية كانت لها علاقة ارتباط بايران، وايران تطمح لشد خاصرة المملكة الأمنية، غير ان قرار العاصفة لم يسعف هيكل بل بعثر كامل خططه، وظهر للعالم أجمع بأنه لا يعرف الكثير عما يجري في المنطقة، وان القمة أصبحت قمة عاصفة الحزم وملحقاتها. ولهذا طلب هيكل من سي بي سي عدم اذاعة حواره التلفزيوني الذي اجرته معه الاعلامية لميس الحديدي، واضطرت الرئاسة المصرية لادخال تعديلات جذرية على الخطاب والموقف المصري، فلا صوت يعلو على عاصفة الحزم، ولأن تحليله للقمة العربية التي ستنعقد في شرم الشيخ والأزمة اليمنية جاء مخالفًا لما حدث على أرض الوقع، حيث تم تسجيل الحلقة قبل بدء الضربات الخليجية العربية على اليمن «عاصفة الحزم». هيكل الذي اكتشف ضعف معلوماته وتقديراته للتغيرات الكبيرة في مؤسسة القرار السعودي، كان انطباعيا وانتقائيا فيما يتعلق بالسعودية، وهو ينكر على السعودية حراكها وفعلها السياسي والاعلامي وكيف يكون أيضا عندما تكون فاعلة عسكريا، ولهذا لم يجد هيكل بدا من ان تتناغم تحليلاته وتحليلات حسن نصر الله ووكالة فارس نيوز، فقد قال هيكل لشبكة سي بي سي ان عاصفة الحزم التي تقودها المملكة ضد القوى الخارجة على الشرعية في اليمن تتعلق بالدرجة الأساس بعملية انتقال السلطة للملك سلمان والجيل الشاب، وان ليس لها أية علاقة باليمن واصفا العاصفة بأنها خطأ تاريخي، وهو ذات الوصف الذي اطلقه مرشد الثورة الايرانية. رؤية مهاتير على النقيض مما يراه هيكل أو يود ان يراه من زاوية مصالحه أو حقده على أي دور سعودي خليجي فاعل، جاءت كلمات رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد مختلفة جدا واستراتيجية، وأكثر فهما لحركة التحولات السياسية، عندما كتب مقالة هامة بعنوان «لله ثم للتاريخ يا أهل اليمن» حذر فيها من الدور الايراني الخطير في المنطقة مؤكدا ان «الالم الذي تشعرون به الآن لا يوازي قرصة أمام ما كنتم ستجدونه من الايرانيين الفرس»، ويحذر اليمنيين ويدعوهم لرؤية واقع الدول التي تسيطر عليها ايران في العراقوسوريا ولبنان واليوم اليمن، حجم الدمار وعدد القتلى وفشل الدولة وضعفها لصالح الميليشيات، وان سياساتهم لبث الفوضى تتطلب مجتمعات ودولا غير مستقرة، وحكومات بلا رؤساء، ورؤساء بلا سلطة، وان هدفهم البطش والظلم والهدم لا البناء ولا جيش ولا عشائر محترمة ولا اعراض مصانة ...(ننام على تفجير ونصحو على تفجير) وان ايران تتذرع بالقاعدة لتنسب إليها أي تفجير ويتكرر المسلسل، ولهذا فان مصلحة اليمنيين في عاصفة الحزم أعظم كثيرا من مصالح الخليجيين، وان الألم الذي تستشعرون به الآن أفضل ألف مرة من بلد مشتت وان تنتهك حرماتكم وتقتلون باليوم ألف مرة. ان ايران التي تختبئ خلف الحوثي هي سبب البلاء لكل اليمن واليمنيين، واننا لسنا طائفيين لكننا نرى حجم السيطرة الايرانية على الحوثيين، وانهم أداة لبعض الوقت ثم تكشر ايران عن أنيابها واهدافها. ولعل مهاتير قد أصاب كبد الحقيقة التي لم تكشفها السعودية، وهي أن ايران قد اقتربت بعدما خططت لاحتلال اليمن، بعدما سيطر الحوثيون على صنعاء، وبعدما سيطروا على مؤسسات الدولة السياسية والأمنية، وان خطتهم كانت تمر بالدفع والدعم لتنظيم القاعدة وداعش للاقامة في اليمن للتدخل في السعودية. ان مهاتير يضع يده على الجرح بالتأكيد على ان ايران هي جزء رئيس من محور الفوضى الخلاقة في المنطقة، ومن خلط الاوراق وتسعير الطائفية في المنطقة (الفوضى الخلاقة التي ارادها الامريكان واللعب بورقة الطائفية التي قال عنها كيسنجر بقيت هذه الورقة نلعب بها في المنطقة. فلا تنجروا وراء من يزعم ان الحرب انتهاك للسيادة الخ.) ويكشف مهاتير محمد النقاب عن أن أهل العراق الذين قاسوا وعانوا من السياسة الطائفية الايرانية، وان شيعة العراق يعرفون اليوم أكثر من غيرهم كيف استخدمتهم إيران لاغراض فارسية، خاصة بعدما اكتشفوا حقيقة المطامع الايرانية في العراق وربطه بهم. ان ايران لا تهتم بالدين أو غيره غير اهتمامها بمصالحها، وانهم ان تمكنوا فتكوا حتى بمن يعتقدون انهم الأقرب لايران، وان الحرس الثوري والاستخبارات الايرانية من كان وراء قصف المساجد والمزارات الشيعية لتعزيز الفتنة الطائفية «فانتبهوا يا اهل اليمن لا تفرطوا باخوتكم ..فلديكم إرث تاريخي عظيم.. السني يصلي الى جوار الزيدي في تقارب عظيم وهذه منجزات وصلتم إليها بشق الأنفس فلا تضيعوها من أجل اطماع فارس والامبراطورية الساسانية التي يريدون اعادتها). القادة العرب المشاركون في مؤتمر قمة شرم الشيخ