منذ الأيام الأولى لتسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم ومعالم مرحلة ما يمكن تسميته استمرارا وتجديدا في السياسة الداخلية والخارجية تتوالى. هذه المعالم يمكن تلمس هاجسها القائم على بناء نواة صلبة شابة ومتجانسة في ظل تجربة طويلة وطموحة ومنفتحة على طموحات النواة الشابة ممثلةً بالملك الوالد سلمان صاحب القرار الأول والأخير. الأوامر الملكية الجديدة التي قضت بتولي سمو الأمير محمد بن نايف ولاية العهد وسمو الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء والسفير عادل الجبير وزيراً للخارجية قد تعطي دلالات إضافية تعزز التوجهات الجديدة. في البداية كانت عاصفة الحزم، تلك الخطوة الجريئة التي لم تكد تبدأ إلا وحظيت برضا خارطة شعبية عريضة في الداخل ولدى أطراف الشرعية السياسية في اليمن فضلاً عن مشاعر الدعم العربي الذي تجسد في التحالف العربي. نعم، ما حدث في اليمن وتحديداً ما قامت به إيران على أرض اليمن لم يكن فقط تخريباً لمسار التصالح والسلام في اليمن، بل كان تهديداً مباشراً لأمن بلادنا وأمن شعوب الخليج والبلدان العربية. لقد وصلت الغطرسة الإيرانية إلى حد الإزدراء الفج لكل خطوات التفاهم السلمي لبلدان الجوار. ذهبت كل مبادرات دول الخليج منفردة -لأن إيران لا تعترف بمجلس التعاون الخليجي- هباءً مع كل الحكومات الإيرانية المتعاقبة إصلاحية كانت أو محافظة. تمادت إيران في العراق وسوريا وقبلهما في لبنان واستمرأت طهران لعبة الأوهام وبدأت في الإعلان بأنها القوة الإقليمية العظمى الوحيدة التي لابد أن تؤخذ «مصالحها» في الحسبان. امتلاك القوة شيء والشعور بالقوة دون إمتلاكها شيء آخر. إيران ليست ضعيفة لكنها ليست قوية كما يتخيل زعماؤها وبخاصة عندما أصبحت نزعة الهيمنة والتوسع خارج حدودها شرطاً من شروط مزاعم قوتها. هذا ما دفع زعماء إيران للهستريا الإعلامية عند سماعهم ببدء هجمات عاصفة الحزم قبل مطلع فجر انتظار إعادة إعلان البيان الدستوري للانقلابيين الحوثيين من عدن هذه المرة وليس من صنعاء فقط. في أعقاب التوقيع على إتفاق الإطار بين إيران ودول ال 5+1 حول برنامج إيران النووي كتب أحد المحللين السياسيين الفرنسيين مقالاً بعنوان «اتفاقية ميونيخإيرانية». عندما ينظر المراقب المنصف لكل الجهود السلمية لبلدان الخليج للتفاهم دبلوماسياً مع إيران، لابد لهذا المراقب أن يجد ما حدث في اتفاقية ميونيخ ينطبق على ما كانت تفكر به طهران مع فارق واضح وهو أن برلين آنذاك كانت تملك القوة بينما طهران كانت لديها أوهام القوة والوازع كان واحدا: روح الهيمنة والتوسع الخارجي. في 30 سبتمبر 1938 عقد اجتماع في ميونيخ بين زعماء الدول العظمى في أوروبا بدعوة من هتلر، كانت نوايا ألمانيا في التوسع أصبحت معروفة في العواصم الأوروبية وتنذر بقيام حرب. الأوروبيون كانوا مفككين وإيطاليا متحالفة مع ألمانيا وجهود البريطانيين والفرنسيين السلمية لدرء الحرب ذهبت أدراج الرياح ولم يبق سوى «التفاهم السلمي» مع ألمانيا. وتحت أنظار هتلر، وقّع الزعماء دالدييه الفرنسي وشمبرلن الإنجليزي وموسوليني الإيطالي وهتلر الألماني معاهدة ميونيخ المذلة أو «إملاءات ميونيخ» كما يطلق عليها في الجدل السياسي. نتائج هذه الاتفاقية السلمية معروفة اليوم لدى كل الحكومات التي لديها مشاكل مع دول مجاورة كما هي حال البلدان العربية مع إيران. اتفاقية ميونيخ فتحت الباب لألمانيا لابتلاع تشيكوسلوفاكيا وتدشين الحرب العالمية الثانية. إيران التي تسكن مشاعر القوة والغطرسة والتوسع في أدمغة زعمائها رغم مظاهر النفاق لإقامة علاقات حسن جوار لا تشترط عدم التدخل في مناصرة مزعومة لطائفة بعينها تحت شعار مناصرة الشعب اليمني مثلاً. هذا ما وضعت عاصفة الحزم حداً له، وما ستضعه إعادة الأمل على مستوى اليمن وعلى مستوى النواة الصلبة بقيادة الملك سلمان على مستوى الدولة السعودية ومع الأشقاء في الخليج والبلدان العربية. *محلل سياسي