مرحلة الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بعد توليه مقاليد الحكم تعتبر مرحلة مهمة ومفصلية في تاريخ الدول، فبعد مرور أكثر من ثمانين عاما على تأسيس المملكة وتوحيدها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يكون قد عاش أكثر من جيلين من أبناء المملكة ويستقبل الجيل الثالث الشاب هذه المرحلة، وبنمو سكاني يتجاوز 2.1 بالمائة. فخلال العقود الثلاثة الماضية فقط تضاعف سكان المملكة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ليبلغوا عام 2014م قرابة 30 مليونا منهم 20 مليون مواطن، وتعتبر ميزة المرحلة السابقة هي الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي المطرد بمعدلات ترتبط مع سعر البترول قوة أو ضعفا. كما أن المرحلة الماضية شهدت تحولات اجتماعية وثقافية نتيجة لعدة عوامل مشتركة بين أغلب مجتمعات الأرض متعلقة بثورة الاتصالات والمعلوماتية التي تعتبر المملكة من أكثر دول العالم تعاطيا معها. هذه المرحلة السلمانية من سباق التتابع الذي توالى عليه ستة ملوك سابقين، كان لكل مرحلة منها طبيعتها المتفردة ورجالها الأقوياء ، ما يجعل هذه المرحلة أيضا ذات طبيعة متفردة بسبب التحديات الإقليمية والنزعات الحالية (عاصفة الحزم كمثال) والأخطار الإرهابية المحدقة بنا، وتقلب أسواق البترول والنزف الداخلي للطاقة وشح الموارد المائية وعدم اكتمال بعض البنى التحتية والنمو السكاني الذي يتطلب أمنا غذائيا واحتياجات تنموية وتعليمية لم تكتمل بعد. كل ذلك وغيره يجعلنا جميعا قيادة وشعبا نقف صفا واحدا في مواجهتها والتعامل اللائق بها، ولا تخلو دولة في العالم من مشكلات وتحديات تصيبها أو تلاحقها لعقود، وكلهم في سعي دؤوب لتجاوزها والتعاون لمواجهتها. ومن أبرز صور المواجهة الناجحة التي أثبتت جدواها، وضع هدف استراتيجي أعلى يعرفه الجميع ويتواصى به الصغير والكبير وينضوي كل المشاريع لأجله ويتسابق الكل في تحقيقه بالغالي والنفيس. لهذا نريد من ملكنا سلمان في هذه المرحلة الهامة من تاريخ دولتنا المباركة أن يشرك إخوانه وأبناءه في حمل المسؤولية الكبرى عن عاتقه ويضمهم جميعا في معايشة همومه بوضع هدف كبير هو استراتيجيتنا المستقبلية حتى عام 2030م. استراتيجية تضعنا جميعا في مضمار العمل والسعي الدؤوب لبلوغ النجاح مهما كانت كلفته صعبة ومشقته بالغة، وتجارب الدول كثيرة حتى لا تكاد ترى دولة ذات مكانة إلا ولها هدف للوصول له في 2020م أو 2030م أو2050 م، وفي مملكتنا الحبيبة نحتاج إلى هدف استراتيجي ملهم وطموح للأسباب التالية: -1 المملكة هي قلب العالم الإسلامي وحامية الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وإليها يتوجه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ليس في صلواتهم فقط، بل حتى في قضاياهم الدينية والمصيرية. كما أن المملكة بقيادة الملك سلمان أصبحت محورا رئيسا في شؤون العالم المتنوعة وشأنها مُهاب وقوتها المعنوية لا تقل عن قوتها المادية. وبما أن الأخطار محدقة وعداوة بعض الدول تحملهم على المكر والتخطيط لنزع هذه الريادة، فإن رؤية الملك سلمان للمملكة في 2030م تحبط كل المساعي التآمرية وتعزز قوة الحاضر بالتمكّن الأقوى في المستقبل بإذن الله. -2 ومن الأسباب الداخلية في تعزيز أهمية الهدف الاستراتيجي للمملكة، ضعف وزارة التخطيط في دفع التنمية وعلاج مشكلاتها طيلة الفترة الماضية رغم حماس وحرص القيادة والميزانيات الكبرى والفرص الداخلية المواتية للنجاح، ولا يزال التخطيط مرهونا بمشاريع صغرى تضيق سبل نجاحها مع تغول البيروقراطية الإدارية للمالية وغيرها من وزارات. -3اختلاف الوزارات والجهات الحكومية في أهدافها الغائية وبعضها - للأسف - لا تملك رؤية مستقبلية، والهدف الاستراتيجي الكبير لعام 2030 على سبيل المثال سينظم كل تلك الأهداف ويوحدها ويوجدها في سلك واحد يدفع بالعجلة للتقدم دون أي عصا تعيق مسيرها. -4 شعب المملكة الشاب والواعي يحتاج الى أن يشارك في بناء دولته ويحافظ على مستقبلها الذي هو مستقبله، ووضعه في خانة المتفرجين يضره ويضر الدولة عندما تحيّد أو تفرّط في هذا العنصر الحيوي الهام. -5 التجارب الدولية تثبت نجاحها حينما وضعت بعض الدول لشعوبها هدفا استراتيجيا ساهم في جمع المتفرقين وتآلف المختلفين ودمج التباينات العرقية والدينية واللغوية في سياق النجاح التنموي الغائي للجميع. -6 إن الموارد التي تشح والفرص التي تتوارى والإمكانات التي تضعف تجعل الحاجة للشراكة مع الشعب في معرفة ما يجتاحه من مشكلات وما يجب عليه من فعل، واجب الوقت وفرض المرحلة، وقد يستطيب المشقة إذا علم بأن نهايتها أمان ورغد واستقرار لأجياله القادمة. 7- إن الهدف الاستراتيجي ووضوحه للجميع وتوافق الأجهزة كلها على تحقيقه لا يسمح للثغرات التنفيذية بأن تتسع في مجال من المجالات، كما أن له ثمرة دفاعية تحمي الوطن من الاختراق بسبب هشاشة مجال لم ينسجم مع غاية الدولة وموقفها من قضية معينة. وهمة القائد وحكمته وسواعد الرجال المخلصين ستنجح في وضع غاية لنا نقدرها بخمسة عشر عاما نخلص فيها لهدف نبيل ملهم طموح جامع يرتضيه الكل ونملك به مفتاح النجاح لبوابات الغد الأفضل بإذن الله. أستاذ جامعي