صاحب ديوان (قوارير) رجلٌ من الأدباء اللامعين في محافظة الأحساء نعم هو الأستاذ الشاعر محمد الجلواح أبو جلواح. فإذا أردت رجلاً متعدد المواهب والثقافات وواسع المعرفة وكريم العطاء فكرياً وثقافياً وشعرياً فتوجه إلى ذلك الوجه الصبيح الذي تجذبك شخصيته وتتهادى أخلاقه الدمثة وتتدلى ثقافته ومعرفته كعناقيد العنب اليانعة ناهيك عن خفة روحه التي يكاد يتميز بها ولا يشاركه غيره في ذلك حسب علمي ولا أزكي على الله أحدا. إنه رجل لا أزعم أنني أحطت بشخصيته الطموحة علماً بل هو أكبر من ذلك. لقد قرأنا عن عظماء مروا في هذا الزمان فتركوا بصماتهم فتحدث عنهم التاريخ، وقال عنهم بصوت جهوري وجلي : إنهم مروا من هنا وتركوا هذا الإرث هذا الكنز الذي لا يقدر بمال .. ولكل عصر عظماؤه الذين يختفون خلف مظلة التواضع لكنهم كالثريا في السماء في الليلة الحالكة. وعندما أقارن بين تلك العصور وهذا العصر أجد أن عصرنا به ثريات كُثْر وهذه الثريا مفعمة بالنجوم والكواكب الدرية ومحمد بن طاهر الجلواح أو كما يرغب أن نسميه (أبو جلواح) واحد من هذه الكواكب التي تألقت في سماء الأحساء بجدارة وعصامية وعطاء. فمن أراد أن يتعرف على شخصية متعددة المواهب هنا في الأحساء فليحدق النظر في محمد الجلواح وليجالسه أو يسامره أو يسافر معه وسيرى كاتباً واسع الثقافة وشاعراً صرعته الغواني وجرحته القوارير .. وستأسره ابتسامته البيضاء الصادقة وستحتويه ثقافته البانورامية .. وسيسبح في نهر دعاباته وخفة دمه التي لا زيف فيها ولا نفاق التي أكسبته كثيراً من المعارف والأحباء كان في حسباني أن أكتب عن كتاب الأخ محمد (قوارير) .. ولكن قلمي انساح في بحر شخصيته الجذابة .. ومن التقى بالجلواح سيعذرني. قوارير .. ديوان شعر معاصر طلع علينا به الأستاذ والشاعر أبو جلواح طبع عام 2013 ووزعه العام الماضي. حاولت أن أحسب تلك القوارير الجلواحية من الفهرس وأمام هذا الكم من الجميلات أقصد القوارير أخطأت في العدد والإحصاء حتى أنني كررت المحاولة أكثر من ثلاث مرات فلم أفلح وتركت هذا الجمع الغفير من الملاح على ذمة شاعرنا أو في ذمته لعلمي أن ذمته تتحمل هذا الحشد الغفير. لقد ترحمت على اثنين عندما تصفحت ديوان ( قوارير) ترحمت على الأستاذ الكبير مصطفى أمين مؤلف كتاب : أسماء لا تموت الذي كتب فيه عن الشاعر الغنائي الشهير مأمون الشناوي موضوعاً بعنوان الشاعر الذي أحب مائة مرة وهذا هو من ترحمت عليه ثانياً .. قال الأستاذ مصطفى : هل سمعت أم كلثوم وهي تشدو : أحب تاني ليه ؟ وأقول لقلبي إيه ؟ هل سمعتها وهي تقول : كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله ؟! هل سمعت فريد الأطرش يغني : حبيب العمر حبيتك وأخلصت في هواك عمري !؟ إن صاحب هذه الكلمات الرقيقة هو الشاعر مأمون الشناوي، وهو لم ينظم هذه الأغاني ليغنيها ملوك الطرب وإنما نظمها ليعبر عن هواه وغرامه وعشقه وحبه لنساء كثيرات. كل أغنية منها هي قصته مع واحدة من هؤلاء الحبيبات المجهولات؟ يبكي مع واحدة ويضحك مع أخرى يسعد مع الأولى ويشقى مع الثانية امرأة تهجره وامرأة يهجرها .. سألته يوماً كم مرة أحببت في حياتك فقال: إنه أحب مائة مرة وتزوج مرتين! إن هذا الديوان في نظري أعقد من لزوميات شيخنا المعري في لزوم ما لا يلزم وما أشبه هذا بذاك وإن لم تصدق فأقرأ معي ما قاله أبو جلواح في حق نفسه : أنا .. (صريعُ الغواني) لا (مُسلم بن الوليد) فكم صُرِعت لحُسنٍ أدْمي وريدَ .. الوريد وكم سهرت الليالي مسافرا في شرودي سجين لَحظٍ وقَدٍّ مُكبلاً في قُيودي ركضت خلف سراب مُزوَّقٍ بالورود وكان وهم الأماني يحيطُني بالوعود ( ولنا لقاء - إن شاء الله - مع الديوان ومع مقدمته الأثيرة التي قال عنها : مقدمة طويلة لقصائد قصيرة .. في مقال آخر مقبل. * باحث لغوي