وسط حضور فني عربي لافت احتفت الدورة الخامسة والعشرون من أيام الشارقة المسرحية بدانة المسرح الخليجي الفنانة الكويتية سعاد عبدالله، التي اختارتها لجنة تنظيم الأيام لتكون الشخصية الفنية المكرمة بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي لهذه الدورة، إلى جانب الفنان والكاتب المسرحي الإماراتي إسماعيل عبدالله بوصفه شخصية المهرجان. وانطلقت مساء الثلاثاء المنصرم فعاليات الدورة 25 للأيام المسرحية برعاية كريمة من الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، بمشاركة ثمانية عروض مسرحية إماراتية، إضافة إلى عرض المسرحية الفلسطينية "خيل تايهة" وهو العرض الفائز بجائزة القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي التي نظمت مسابقتها الهيئة العربية للمسرح، ضمن الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي بالمغرب يناير الماضي. دانة المسرح وشهدت الندوة المنعقدة لعرض تجربة الفنانة سعاد عبدالله حضورا فنيا عربيا منوعا، وكان من أبرز الحضور الفنانة القديرة سميحة أيوب والممثل الكويتي سعد الفرج، محمد المنصور، داوود حسين، والفنانة الإماراتية مريم سلطان الملقبة ب "أم المسرحيين الإماراتيين"، إضافة إلى جملة من الفنانين والفنانات العرب. وقدّم الندوة الفنان الإماراتي أحمد الجسمي، وثمنت الفنانة سعاد عبدالله في مطلع حديثها الدور الذي يقوم به مهرجان الشارقة، لافتة إلى الحميمية التي تشعر بها بمجرد الوصول للشارقة، التي أصبحت رمزا للمسرح العربي. وقالت عبدالله: "افتقدت مهرجان دمشق وقرطاج المسرحي غير أن الشارقة خلقت البدائل، فهذا التجمع يشعرني بألم وشوق إلى مهرجان دمشق، لكنه يشعرني بالتعويض حيث نجد التواصل ونتكلم عن اشتياقنا لما مضى، ونناقش همومنا، ونرسم آمالنا بأن يكون القادم أفضل" كما أكدت أن الكراسي تذهب ولكن المسرح والمسرحيين باقون. وأبرزت عبدالله الدور الذي لعبه جيل الستينات الذي تتلمذت عليه في تكوين شخصيتها الفنية، لافتة إلى أهم العوامل التي تسهم في صناعة الفنان الناجح ومن أهمها وجود القدوة والأستاذ والالتزام بالوقت وأهمية القراءة والمطالعة وتلمس حاجات المجتمع التي طالما كان الأساتذة في ذلك يؤكدون عليها. وكان من ضمن الجيل الذي أشادت بدوره الفنان المسرحي الراحل المصري كرم مطاوع وأحمد عبدالحليم. وجاء في شهادة الفنانة سميحة أيوب: دانة حقيقية عميقة في اختياراتها وثرية بمعرفتها وثقافتها المسرحية وبصماتها الفنية العالية التي تؤكد يوما بعد آخر مفردات الكينونة التي تشتغل عليها والتي باتت عنوانا حقيقيا لها ولمشوارها. وجاء في شهادة الفنان المسرحي دريد في شهادة له عنها في كتاب أصدره المهرجان: نموذج فني إنساني واحترافي عالي المستوى، لا شيء متروك للصدفة عندها، ولا شيء يتم إنجازه في إطار المجاملات، تشتغل بالنهج النموذجي الذي قلما تجده اليوم أو سابقا في عالمنا الفني في عالمنا العربي. وقال الفنان سعد الفرج إن سعاد عانت من رفض المجتمع والعائلة في ذلك الزمن الذي كان فيه التمثيل مرفوضا. وردت سعاد الفضل في ذلك إلى زوجها فيصل الضاحي، الذي ساندها في مسيرتها الفنية مقاوما الضغوط الاجتماعية. تجربة إماراتية واستعرض الفنان المسرحي الإماراتي اسماعيل عبدالله المولود في الكويت عام 1963 تجربته المسرحية الطويلة والثرية في ندوة أدارها الدكتور محمد يوسف وسط نخبة من المسرحيين العرب الذين قدموا شهادات حول شخصيته المسرحية وثمنوا دوره في نهضة المسرح الإماراتي. ويعتبر اسماعيل عبدالله الذي اختاره مهرجان أيام الشارقة شخصية مكرمة في المهرجان من مؤسسي المسرح الإماراتي، وقدم العديد من الأعمال المهمة تمثيلا وإخراجا وكتابة خلال رحلته الفنية، ويذكر أنه أخرج النص المسرحي الإماراتي من انغلاقيته المفرطة إضافة إلى تجديده في الخطاب المسرحي بالاعتماد على ثيمات جديدة مركبة و متشظية. وقال عبدالله إنه تأثر في في بناء شخصيته بثلاث شخصيات رئيسية كان أولها سمو الشيخ سلطان القاسمي الذي كان اليد الممتدة لرعايته بعد وفاة والده وبقي اليد الساندة له كلما تعثرت خطاه في الحياة، والشخصية الثانية هي شخصية جده الذي تربى في رعايته وكان يتسم بالحكمة وحب المعرفة، أما الشخصية الثالثة فهي والدته التي رعته بعد وفاة والده وتركت أثرا كبيرا في نظرته الإيجابية وتقديره للمرأة في نصوصه إضافة إلى الدور الذي لعبته زوجته التي تكفلت برعاية أسرته وتربية أبنائه الذين انشغل عنهم بمهامه الفنية. جلسات نقاشية وناقش الحضور المسرحيات المعروضة في جلسات نقاش مصاحبة، وقد أسهمت أيام الشارقة المسرحية خلال دوراتها في تقديم المسرح الإماراتي والتعريف به عربيا وتطويره تمثيلا وإخراجا وكتابة، خصوصا مع حضور أسماء وخبرات عربية عريقة تناولت هذه الأعمال. وتضم لجنة تحكيم العروض المسرحية: آمنة الربيع من سلطنة عمان، وصوفيا عباس من مصر، وعبدالله راشد من الإمارات، ومنير العرقي من تونس، ومخلد الزيودي من الأردن. الملتقى الفكري تحت عنوان "المسرح العربي وتحديات الراهن" أقيمت عدة ندوات خلال أيام المهرجان شارك فيها نخبة من المسرحيين الخليجيين والعرب، وقالت الناقدة حليمة مظفر في ورقتها "المسرح وصناعة الوعي" أن المسرح العربي كان يعاني قبل الثورات العربية من الضعف وقلة الدعم والتقليد ومصادرة الرقيب له وقد زادت معاناته بعد الثورات العربية، وباتت أكبر معاناته تتمثل في أنسنة الخطاب الدرامي والخروج من عنق زجاجة النرجسية الأيديولوجية التي تأججت بعد فوران الثورات العربية؛ نتيجة حرية لم تتنفس سوى شعارات يكتبها الحالمون خلال نومهم العميق في الكهف. المسرح كفن وقال الكاتب والناقد التونسي "حافظ جديدي" في ورقة بعنوان "المسرح وتحولاته عبر الزمن" التي تحدث فيها حول وضعية المسرح كفن في تواصل مع تقاليد ومقاييس وضعت منذ حقب تاريخية تمتد إلى عهد الإغريق وإلى التحولات الكبرى التي عرفها المشهد الفرجوي عموما في علاقته بالتكنولوجيات الحديثة والكيفية التي تعامل بها المسرح مع هذه المستحدثات واللبس الحاصل اليوم في الأجناس الفرجوية التي تحاول أن تنخرط في الشكل المسرحي. المسرح والتحول المخرج والكاتب المغربي بو سرحان زيتوني قال في ورقته "المسرح ومصائر التحوّل": المسرح كالكتابة يعيش في كل لحظة موته وولادته كل عرض، إنه يغادر كل مرة نحو مصير جديد. وقد لا نلاحظ تغيره في بعض الأحيان لبطء غير محسوس ولكن في أحايين حاسمة يتحقق بقفزات ملموسة منظورة، إن الإبداع في الفن والمسرح يأبى التكرار والاجترار لهذا لم تصمد الأرسطية ولا الستانلافسلافكية ولا البرختية ولا الآرتوية ولا أي من الاتجاهات، لأن كل واحدة إنما تعبر عن مرحلة وتموت فيها، حتى بالنسبة لأصحابها لأنهم بذاتهم لو لبثوا عليها انتهوا، فالإبداع خروج عن سالف. مسرح العرب وقال المخرج والممثل والمترجم العراقي السويدي الدكتور فاضل الجاف في ورقة بعنوان "مسرح العرب ومواكبة العصر": يظهر المسرح العربي تقدما نسبيا على صعيد مضامينه أما على صعيد التكوين الاحترافي خصوصا في مجالي التمثيل والإخراج فثمة حاجة إلى أن يطور المسرح العربي وسائله الأدائية، وذلك بالاستفادة من منجزات المسرح العالمي وتطويعها تطويعا حضاريا لحاجات المسرح العربي ولخصوصيات المسرح العربي معا، كما أكدته ورقته على أهمية مراجعة المناهج المسرحية في المعاهد المسرحية ودراستها، وفق منظور حضاري معاصر، ومن أجل تكوين برنامج تأهيلي مشترك قائم على ركائز فنية وتربوية ضرورية لتطوير المسرح العربي وتفعيله في شتى ميادين الحياة. مسامرة فنية أقام الفنان المسرحي المغربي عبدالحق الزروالي مسامرة فنية في الهواء الطلق حضرها جملة من المثقفين والمسرحيين، وقدم من خلالها الزروالي نفسه واستعرض تجربته المسرحية الثرية الممتدة لأكثر من أربعة عقود والتي زاوج فيها بين التأليف والإخراج والتمثيل مبرزا طاقة إبداعية عالية. جانب من ندوة الافتتاح المحرر مع الفنان محمد المنصور