الآن في اللحظة التي تقرؤون فيها مقالي، هناك ملايين الأطنان المكعبة من مياه الصرف الصحي، تتدفق في وادي بيشة عبر قناة كبيرة شُقّت بطول 250كم، لتقاد مياه الصرف الصحي عنوة باتجاه سد الملك فهد، الذي أُنشأ لأجل حفظ المياه العذبة والنقية، ويستفيد منها أهالي بيشة في شربهم وزراعتهم، وقد مضى على تدفقها من أبها وخميس مشيط أكثر من سنتين وما زالت، لتستقر هذه المياه الآسنة والملوثة في نهاية جريانها في سد الملك فهد ببيشة، فجعلت من ذلك المرفق الحيوي والمنجز العملاق والمفخرة الوطنية أكبر خزان لمياه الصرف ومخلفات عسير، محدثة أكبر تلوث لأكبر وادٍ وأكبر سد مائي في المملكة. لقد تسبب أصحاب التجاوزات والإهمال بإفساد ثروة مائية ضخمة لا تقدر بثمن، وهي مصدر الشرب الوحيد لأهالي محافظة بيشة ومنها سقيا مزارعهم، هذا التدفق المقصود لمياه الصرف الصحي في الوادي -والذي تجرمه وتدينه كل القوانين البيئية المحلية والعالمية- يمر بقرى كثيرة ومحاذية لوادي بيشة، فيشرب أهل تلك القرى من آبار تمر مياه الصرف الصحي مكشوفة بجانبها، وتشرب مواشيهم منها ويلعب أطفالهم في تلك المياه الآسنة والمتلوثة، لعدم درايتهم بماهية ما يتدفق امامهم من مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي ولا الحيواني، ومدير مياه عسير يعرف تماما أضرار تلك المياه على الإنسان والحيوان، ويعرف أيضا أن تحويله مياه الصرف الصحي لوادي بيشة ومن ثم لسد الملك فهد هو إجراء مخالف للنظام العام للبيئة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34، ورغم ذلك ترك الناس والضعفاء الذين ليس لهم سابق معرفة بخطر تلك المياه لمصيرهم، بدون أدنى مسؤولية، فحياة الناس وصحتهم تأتي بهذا التصرف في آخر الاهتمامات، أيضا لا يوجد أي تحرك إيجابي من محافظة بيشة، باتجاه التوعية الوقائية للأهالي في تلك القرى، بتثقيفهم وإطلاعهم على وضعية ما يمر من أمام قراهم بأنها مياه ملوثة، تتهدد صحتهم وحياتهم واستقرارهم ويجب عليهم تجنبها وعدم استخدامها أو الاقتراب منها!! بيشة تتعرض لكارثة بيئية غير مسبوقة؛ بسبب تحويل مياه الصرف الصحي لوادٍ مأهول بالسكان، لترتفع على أثره صرخات الأهالي المتضررين وتصل لأسماع ولاة أمرهم -حفظهم الله-، ولأن صحة المواطنين وسلامتهم تتصدر أولويات حكامنا، فكانت النجدة سريعة بإرسال وفد حكومي عالي المستوى، يترأسه سمو وكيل وزارة الداخلية لشؤون المناطق، الذي وقف على تفاصيل تلك التجاوزات وذلك الإهمال واستمع لتذمر وشكاوى المواطنين، ليعود بصورة واضحة وشفافة عن وضع مأساوي وتصرفات عبثية، ورغم كل هذا الضجيج الذي بلغ الافاق في بيشة، والتخوف من ظهور وباء جديد قد يتفشى في المنطقة، إلا أن وزارة الصحة ما زالت غائبة كليا عن المشهد، وكأن صحة وحياة 210 آلاف مواطن بيشي خارج نطاق مسؤولياتهم، ويجدر أن أشير الى أن الشؤون الصحية ببيشة هي أول من أكد عبر تقارير فحوصاتها أن مياه سد الملك فهد ببيشة غير صالحة جرثوميا وكيميائيا، إلا أن هناك علامة استفهام حول تأخر وزارة الصحة لإرسال فريق من صحة البيئة لتقييم الوضع الصحي في بيشة. وأهالي بيشة لا يناشدون وزارة الصحة بالقيام بواجبها، ولا يستجدونها في حق من حقوقهم هو من مهامها الأساسية، إنما يحملونها المسؤولية الكاملة عن أي ضرر صحي قد يتعرضون له؛ بسبب مياه صرف صحي معروفة الاضرار والمشاكل الصحية، ويذكرونهم بقسم وزير الصحة امام خادم الحرمين الشريفين، ومن المفترض تحقيق تطلعات الملك سلمان ورؤيته، في تقديم أفضل الرعاية الطبية والوقائية لمواطني بيشة الذين يتعرض واديهم وسدهم لكارثة تلوث بيئي!! متخصص في العلوم العسكرية ومهتم بالشأن الاجتماعي