نحن في هذا العصر الرقمي، وفي زمن الفضائيات وضغوط العولمة وإفرازاتها الثقافية، والتي أزالت السدود واخترقت الحواجز ومحت حدود الجغرافيا، وجد الشاب نفسه أحياناً أمام أسئلة ذات طابع وجودي فلسفي تتمحور حول كثير من مفردات الوجود والعدم تلك الأسئلة قد تتراكم وعلى نحو خطي متصاعد، وهي في كثير من الأحيان قد تصادف قلباً خالياً فتتمكن ومن ثم تؤسس لفيروس عقدي هو قطعا أشد ضراوة من فيروس «كورونا» الذي عجزت وزارة الصحة عن مقاومته! إن الخلل العقدي يتنامى ويستفحل أثره وخصوصا حينما لا يكون هذا الشاب أو ذاك مسلحاً بشحنات إيمانية كافية تعزز لديه المنحى اليقيني هذا من جهة وذخيرة علمية وأفق معرفي واسع يجعل منه عصيا على الاختراق الثقافي هذا من جهة أخرى. كثير ممن لديهم ميول قرائية ويتسمون بلون من الفضول الفكري قد يقعون أحيانا ضحية إما لتوجهات فكرية أو لبرامج تلفازية قادرة على الإقناع والاستمالة فتنطلي عليهم الكثير من الشبهات ويلجون في نفق فكري مظلم كنتيجة طبيعية لتدني وتيرة النقد وضمور حس المحاكمة العقلانية وضعف التأصيل العلمي. ولا غرو، فضمور البنية المعرفية وفوضوية الاشتغال الذهني وافتقاره للتماسك وعدم التمتع بحس نقدي يسائل الفكرة الفلسفية الواردة ويبتلي مضامينها كل هذا كفيل بإدخال المرء في تيه ثقافي حاد فتلتبس عليه المعطيات الدلالية، ومن ثم تضمر لديه المقاربة المنهجية إلى أدنى حدودها. إن شريحة الشباب مستهدفة بل هناك زخم عملي متراكم من الجهود الاستراتيجية والحملات المنظمة والمتتابعة لإيقاظ الفتنة النائمة واستهداف تلك الشريحة الشبابية والإجهاز على مرجعيتها والعمل على بت صلتها بثقافتها العميقة وفصلها عن المكون الديني لتتصل من ثم وبشكل متدرج بالفكر الالحادي المعتم والذي أضحينا نلمس آثاره مؤخرا، حيث هناك تنام ملحوظ لهذا الفكر و خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أعادت إلى الواجهة من جديد استشكالات «صبيغ» الكوفي بل وبطريقة أكثر إيغالا في مواقعة المحظور العقدي وشرعنة مزاولته! الانفتاح القرائي وتوسيع دائرة الاطلاع مطلب جوهري خصوصا لمن كان يمتلك أدوات النقد والترشيد والاختيار و التصحيح وليس ثمة غضاضة هنا، إنما الإشكال فيمن لم يتجاوز بعد، أسر النمطية والانصياع الفوري لأول وارد فكري، والتفاعل العفوي معه لا لموضوعيته وإنما لأنه فقط هو أول طارق يطرق السمع، وأول وافد ثقافي يدلف للساحة الذهنية ويغشى سراديبها، إن هناك من يتواصل مع كل ما هب ودب من مصادر المعرفة في الوقت الذي هو لا يفرق بين الغث والسمين – هذا إن كان ثمة سمين!-فينفتح ثقافيا على القراءة، وفي المناحي ذات الطابع الفلسفي تحديدا، دون ان يكون لديه حصانة معرفية تمكنه من محاكمة الأطروحات والغوص في تفاصيلها والكشف عن نقائضها الداخلية ومعاينة ما يعتور بناءها المنهجي من اختلال، ومن دون أن يكون لديه بعد عقدي تأصيلي يتيح له تكوين رؤية واضحة ليس حول هذا الوجود – فقط - ككينونة محكومة بالصيرورة والفناء، بل ويمده بإجابات شافية حتى فيما يتعلق بالماورائيات المتعالية «الترنسندتتالية» فتسكن نفسه ويطمئن وجدانه ويكون بمنأى عن إشكاليات القلق الوجودي.