قبل ظهور الانترنت كانت الصحيفة هي المصدر الأول للأخبار والمعلومات والصور. إذ لا يخلو فضاء اجتماعي من وجودها. فعندما ندخل إلى أي صالة انتظار، في المستشفى مثلاً، نجد أن الجريدة قد تم تقاسم صفحاتها بين المنتظرين. المغرم بالرياضة يحدّق في الصفحات الرياضية. والمعني بالثقافة يقتطع الملحق الثقافي. والمهتم بأخبار وقضايا الوطن يطالع المحليات. حتى القارئ الذي لا يعتمد على موضوعات مفضلة يجد في الصحيفة ما يثير فضوله. ولذلك كانت الصحف تجد لها مكانها ومكانتها في فضاءات البيت والمقهى وبهو الفندق وحتى ورش تصليح السيارات. لدرجة أنها تبدو ممزقة ومبعثرة لكثرة الأيدي التي تناولتها. أما اليوم فلا تكاد الصحف تُلمس. حيث يلاحظ أنها تظل قابعة في الركن المخصص لها، أو على الطاولة حتى نهاية اليوم لتستبدل في اليوم الثاني بالعدد الجديد. وكأنها مطروحة كإضافة ديكوراتية. حتى عندما تمر المضيفات في الرحلات الجوية بسلة الصحف لا تتناهبها الأيدي كما كان يحدث في السابق. والسبب هو هذه اللحظة الالكترونية التي تزحف بلا هوادة على الورقي. وهو أمر يمكن ملاحظته في مجمل مظاهر الحياة اليومية. إذ لا يتم التواصل مع الفرد من خلال الورق والملاحظات المكتوبة، بل عبر رسائل الكترونية تحمل المصداقية والسهولة في أداء المهمات. وهو الأمر الذي يعني أن الشاشة غدت هي محل التخاطب والمعلومة والفكرة والخبر. وفي هذا الصدد، أي ما يتعلق بالصحف بدأت بعض المقاهي في السعودية اعتماد الأجهزة اللوحية عوضاً عن الصحف الورقية في محاولة استرضاء الزبائن. بحيث يمكن للزبون أن يطالع صحف العالم وهو ينتظر طلبه. أو ربما يكتفي بجهازه المحمول. المهم أن الورق لم يعد له تلك المكانة ولا المكان الذي كان يحتله في السابق. وهي دلالة تحيل إلى مستقبل الصحف الورقية في السعودية، ومستقبل الصحافة المكتوبة. حيث تعيش الصحف أزمة تحديثية غير معلنة حتى الآن. وتفكر كل صحيفة في اللحظة المتوقعة والحتمية التي سيصدر فيها العدد الأخير من الطبعة الورقية. اللحظة الالكترونية تتقدم ولا تقبل أي شكل من أشكال التفاوض مع الورقي. وإذا كان الغرب قد أنشأ بالفعل متحفاً للصحافة الورقية وصار يعلن موت مظاهرها يوماً بعد آخر، فإن القائمين على الورقية في السعودية بحاجة إلى التفكير جدياً في هذا المآل. قبل أن تضطرهم تسارعات التقنية إلى ذلك. ففي اللحظة التي يُعلن فيها عن إغلاق صحيفة ورقية تولد الآلاف من المواقع الإلكترونية. إن التاريخ الذي ضربه برنار بوليه لنهاية الصحافة الورقية متأخر جداً لدينا بمقاييس التغيُّر الحاصل. حيث قرر في دراسة مقارنة بين الدول أن عام 2034م سيكون هو العام الذي سيعلن فيه موت الصحف الورقية في السعودية. وهو ما يعني أننا سنكون أمام عقديين آخرين من الحيرة والمكابدة والارتباك. وذلك في ظل تنامي الإعلام الجديد والفورات الاتصالية التي ستجعل الصحافة الورقية على مستوى المضمون مجرد لوحات إعلانية. وبالتأكيد لا يقتصر الأمر على المضمون الإعلامي، بل يرتبط بعوامل ثقافية واقتصادية واجتماعية. فهذه المؤسسات الإعلامية تتلقى من الدعم الحكومي وما تجود به المؤسسات التجارية والصناعية، بشكل صريح أو غير معلن، ما يبقيها صامدة. مثلها مثل الكثير من صحف العالم. ولا يمكنها أن تتخلى بسهولة عن ذلك الدعم، إلا أن الأمور لن تسير دائماً كما تشتهي هذه الصحف. فالمعلن قد يغير وجهته باتجاه وسائل إعلامية أكثر عصرية وأكثر تفاعلية. وهذه حتمية عصرية. والصحيفة قبل أي شيء هي مؤسسة تجارية، بغض النظر عما تضطلع به من مهمات تنويرية أو إخبارية. وهو ما يعني أن التفكير الإداري سيضع في اعتباره هجرة الإعلانات المتوقعة إلى فضاء الإنترنت. تقول الدراسات إن السعودية تأتي في مقدمة الدول التي تعتمد اليوم على الهواتف المحمولة والكمبيوترات. كما يشير الواقع إلى أن المواقع الإلكترونية السعودية لن تتوقف عند هذا المستوى البدائي في التعاطي مع المتلقي. أما الإعلام الإخباري ذاته، الذي تعتمد عليه الصحافة الورقية في السعودية، فيعيش على مستوى العالم أزمة حقيقية. مع نهوض قوي لكل مظاهر الإعلام الرقمي بمزاياه اللحظية الإخبارية والترفيهية. وهو الأمر الذي يحتّم على الصحافة الورقية أن تفكر جدياً في المغامرة بالانتقال إلى وساعات الإعلام الإلكتروني. وفق خطة تدريجية تراعي البعد الاقتصادي، وتعاند مقولة برنار بوليه، ولا تتباطأ في الدخول إلى العصر الرقمي. فمن يجرؤ؟ .