في يومها العالمي تواجه القصة القصيرة تحدّيات مختلفة بعضها ذو صلة بالأدب نفسه وبعضها الآخر مرتبط بعوامل خارجة عن إرادتها، بينما رأى البعض أن المشهد لا يبدو سوداوياً إلى الحدّ الذي يجعلنا نعدّ العدّة لموت هذا الجنس الأدبي. فكيف هي طبيعة مستوى النتاج القصصي الذي يكتسح الساحة الأدبية، وما ينطوي عليه من تنوع وثراء وتجريب ومحاورة مع الأجناس الأدبية والفنية؟ وهل نجاحها يبقى مرهونا بإجادة الكتابة في هذا الفن؟ وهل ما زالت القصة بحاجة إلى اكتشاف واستثمار تضيف إلى ملامحها ملمحا جديدا يناسب الحاضر ومتغيراته والمستقبل؟ وماذا عن تكريم روادها في يومها العالمي؟ بهذه الأسئلة اتجه "الجسر الثقافي" الى قاصين وقاصات فكانت تلك الإجابات: رهان النجاح بداية أكد القاصّ عبدالرحمن العمراني أن ما تحتاجه القصة هو إعادة مجدها وليس الاحتفال بها. وأضاف: القصة مرهونة بكتابها لكي تعرف طريقها إلى الدراسات النقدية والمقروئية الواسعة والرواج، مع الإشارة إلى أن الكتابة الجميلة والنصوص الناجحة لا تقاس بالأسطر وعدد الصفحات، والبعض عجز عن ولوج الرواية ولهذا عوض عجزه بفن القصة وهو لا يعي جيدا ما هي القصة، فراح يستسهلها ليجعلها ملاذا للفاشلين فمن يكتب فعلا في هذا الجنس فإنه يمتلك القدرة التي يمكن أن يفتقدها كاتب النصوص الطويلة فهذا الفن ليس من اختصاص أي كاتب، كما انه ليس مجرد حشو مختزل لبعض الالفاظ التي لا يجمعها أي رابط. اما عن يومها العالمي قال العمراني: "نحن لا نحتاج إلى احتفالية بقدر ما نحتاج إلى أن نعطي هذا الجنس الأدبي شيئا من الاهتمام في التعليم العام، بتخصيص حصة في مادة اللغة العربية متزامنة مع هذه المناسبة للتعريف بهذا الفن وطرح عدد من النماذج، وأيضا التعريف برواده السعوديين وأيضا مشاركة المؤسسات الثقافية، وإعادة دور (نادي القصة السعودي) الذي كان حاضرا بقوة في مرحلة زمنية سابقة، وطموحي كقاص أتمنى ان يحضر هذا الفن الأدبي في مناهج الأدب السعودي وأيضاً أن تهتم الجهات المعنية بترجمة بعض الأعمال القصصية المحلية المميزة إلى لغات العالم الأخرى". الصوت الأقوى أما عن طبيعة مستوى النتاج القصصي الذي يكتسح الساحة الأدبية وما ينطوي عليه من تنوع وثراء وتجريب ومحاورة مع الأجناس الأدبية والفنية، فقال القاص جمعان الكرت: حتى أكون منصفا لم تعد القصة القصيرة في الوقت الراهن - من حيث الاهتمام - بمستوى الرواية إذ أصبحت الأخيرة صاحبة الصوت الأقوى والأبرز، ولربما أن الرواية تمتلك خطابات متعددة سياسية وتاريخية واجتماعية وثقافية فضلا عن امكانيتها في استيعاب التفاصيل الصغيرة والشخصيات المتنوعة والاماكن المتباعدة؛ لذا البعض يصفها بالنهر حيث يقطع مسافة جغرافية واسعة فيما تمثل القصة القصيرة دوامة صغيرة داخل النهر، وهذا لا يقلل أبداً من جماليات القصة وقدرتها على التأثير وأكبر دليل على ذلك ذهاب جائزة الآداب العالمية لكاتبة القصة الكندية أليس مونرو. ويضيف جمعان: "وحين يحتفل العالم بأسره بالقصة القصيرة ويخصص يوما لها فإن هذا ينسحب لصالحها، ولما كانت بهذا المستوى الرفيع فإن المسؤولية تتضاعف على المؤسسات الثقافية والتعليمية في الاحتفاء بها كجنس أدبي يجمع ما بين سردية الرواية وشعرية الشعر، ويزيدها ألقا كونها تنسجم مع التنامي الرقمي فيسهل عليها التماهي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحكم قصرها واختزال كلماتها وإمكانية الاستمتاع بقراءتها في وقت قصير وفي أي مكان. هذا الوهج وعن الواقع والنظرة التفاؤلية بالقصة ومستقبلها قالت القاصة منيرة الأزيمع: واقعها نشط ومنتج ومزدهر في بعض المستويات رغم الانصراف الكلي من كتاب ونقاد وحتى القراء للرواية، وانكبابهم عليها. في حين لا نرى للقصة هذا الوهج الذي تأخذه الروايات حتى لبعض الإصدارات المتواضعة سرديا، والقصة على مستوى المهرجانات والاهتمام من المراكز الثقافية والأندية الأدبية تبدو ضائعة بين الشعر والرواية. وعلى مستوى الطباعة والنشر لا يختلف الوضع كثيرا فإن كان اصدارك رواية مهما كانت متواضعة فنيا ولغويا فهي تحظى بالأولوية والقبول، مقارنة باصدارات القصة التي لا تجد إقبالا من الناشرين. اما عن استثمار يضيف إلى ملامحها ملمحا جديدا يناسب الحاضر ومتغيراته والمستقبل فلا يوجد. لجان ونزاهة فيما قالت القاصة شمة الشمري: حتى نسهم في عودة القصة القصيرة إلى زمن ازدهارها مرة أخرى لا بد للقاص من مطالب إلى جانب الاستمرارية بالمحافظة على مستواه وتطوير أدواته والتجريب والإدهاش. أما بالنسبة للتكريم فنحن نراه للشعراء بينما لم ألاحظه في مجال القصة، وقد يكون السبب عدم مواكبتي للحدث إن كان أو تقصير الجهات المختصة .. لا أدري! وهذا الأمر بذاته - أي التكريم - يحتاج لجانا ونزاهة ومصداقية للقيام به حتى نتخلص من المحسوبيات التي بدأت تطول حتى الأدباء والإبداع.. وأخيرا أقول: إن القصة تستحق وكتابها يستحقون تكريما يليق بإنتاجهم الإبداعي!. المنتج الإبداعي أما الكاتبة أسماء الأحمدي فطالبت بالتوقف عن تقليل شأن المنتج الإبداعي بمختلف مسمياته.. أتعجب ممن يعمد للقول بموت أحد الفنون مقابل الآخر لا يعني تقدم قائله "على آخر انتفاء أو ضمور أحدهما، بل تواجده بقدر يضمن له الاستمرارية. فكل مرحلة تمنحه التشكّل والتجدد. هذا ما نلاحظه خلال الأزمة المتشكّلة ضمنيّا بين القصة والرواية. وتتابع الأحمدي: "وفي نظرة متأمّلة نجد أنّ القصة متواجدة إذ يسهل تناولها من خلال الكتب أو الأمسيات أو وسائل التَّواصل الاجتماعي. بناءً على ذلك نقول إن القصة القصيرة موجودة وبقوة، ودليل ذلك الدّراسات التي تناولتها الجامعات سابقاً - حالياً أقل ممّا كانت عليه - وإن بدا لنا من يُنادي بالتّوقف عن دراستها مُدّعياً أن القصة أُشبعت دراسة وردّنا عليه: حتى وإن قمنا بدراسة النّتاج القصصي فنيّاً وموضوعياً، هل نستطيع الجزم بأن النتاج القصصي انتهى، ولم يعد قابلاً للدراسة وقادراً على استيعاب طرح النّقاد والمثقفين؟ بالطّبع لا؛ لهذا هو بحاجة لمسايرة النّقد له من أجل تلافي الأخطاء وإبراز الجماليات. وتختم الاحمدي حديثها: "من هنا بدا لزاما علينا الاحتفاء بالقصة وكتّابها ونُقّادها في يوم أو لنقل شهراً على الأقل، يثري المشهد الثَّقافي ويُعيد ترتيب الأوراق والخروج من الملتقيات والأمسيات بنتائج وملاحظات جادّة تُعيد للقصة وهجها، وتُدْرِجُها ضمن جدولة بين الفنون الأخرى تضمن عدم طغيان فنٍ على آخر.