كاتب هذه العجالة الفقير الى وجه ربه ليس من هواة التسمر أمام التلفاز لساعات طويلة أو قصيرة، وربما مر شهر أو أكثر دون أن يتنقل ب «ريموت» جهازه بين مئات المحطات التي أضحت لكثرتها - أكبر من الهم على القلب - ولكنه من باب «الفضول» لا غير أراد أن يكتشف بعض تلك المحطات الفضائية التي ما زالت «تضحك على ذقون العرب»، وتحاول جاهدة أن تخرج آخر ما في جيوبهم من نقود لعلمها يقينا أنهم غارقون في بحور الاستهلاك لبضائع قد يحتاجون لها بالفعل، ولأخرى قد لا يحتاجون لها على الاطلاق، فمعظمهم يستهلكون لمجرد الاستهلاك لا غير. احدى تلك المحطات تروج لمراهم وحبوب تنبت الشعر في رؤوس الصلعان، وتروج لعمليات الزرع عن طريق الليزر، ولكنها لا تعطي ضمانا لتساقطه بعد أيام قلائل، والمضحك في الأمر أن رؤوس من يروجون لتلك الأدوية والعمليات خالية من الشعر تماما. ومحطة أخرى شغلت المعانين من السمنة بوسائل الحميات الغذائية كعلاج «ناجع» لأمراضهم، فثمة ما يسمى بحمية الماء وحمية الفواكه وحمية الخضروات المسلوقة، أما العمليات الجراحية التي من شأنها احتواء «الأزمة» ان صح تشبيه السمنة بالأزمة، فحدث عنها ولا حرج، وأشهرها البالونات التي تدخل عن طريق الفم وتدبيس المعدة وشفط الدهون وغيرها من العمليات التي أودت بحياة بعض من خضعوا لها. ومحطة فضائية أخرى شغلت النساء على وجه الخصوص بمراهم ومساحيق وحبوب تعيد النضارة الى وجوههن بعد الذبول، وبعمليات شد الوجوه الى درجة أفقدت بعضهن البصر، وبعمليات لتضخيم الشفاة وتصغير الأنوف ونفخ الخدود، وأخرى لتحسين شكل - المؤخرة - بقطع أجزاء من لحمها وشحمها. ومحطة فضائية أخرى مشغولة طيلة النهار والليل بإذاعة اعلان استهلاكي عن حذاء «خارق» للعادة يمكن استخدامه من قبل ذوي القامات القصيرة، وبعد شهر من استخدامه سوف يكتشفون أن قاماتهم قد طالت، ولا داعي لاستخدام الحذاء بعد ذلك، وتؤكد المحطة أن الحذاء «العجيب» لا يباع في الأسواق، وأن على من يريد الحصول عليه الاتصال بالشركة المصنعة عن طريق الهاتف أو الفاكس أو البريد الالكتروني المبينة أسفل الشاشة المروجة لحذاء العصر «السحري». وقس على هذه الاعلانات التي تروج من قبل تلك المحطات التي تبث - خصيصا - لنشر تلك الخزعبلات والترهات عشرات الاعلانات التي يؤدي بعضها بعد استخدام النساء للمراهم والمساحيق المعلن عنها الى اطالة سيقانهن أو تقصيرها، والى شد ذقونهن ومعالجة الترهل الذي قد يظهر على بطونهن أو أذرعتهن أو أردافهن. ويتضح لمن يملكون شيئا من الذكاء وهم يتابعون ما تبثه تلك المحطات من غثاء أن تلك الاعلانات المروجة للأوهام ليست إلا وسيلة لابتزاز أموال المشاهدين، وبعض الرجال والنساء للأسف الشديد يتسابقون للحصول على تلك الأدوية مهما ارتفعت أسعارها، ويتسابق البدناء منهم لإجراء عمليات الشفط أو التدبيس أو تصغير المعدة رغم خطورتها من ناحية وعدم نجاحها من ناحية أخرى. ويبدو أن المروجين لتلك التقليعات يجهلون أو يتجاهلون ما قاله أحد الشعراء متسائلا في شطر بيت من أبيات قصيدة شهيرة: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ كاتب وإعلامي سعودي