في أمسية شعرية متميزة، وحضور جماهيري متفاعل، تعانق الفن مع الشعر في الندوة التي شارك فيها الشاعران حبيب المعاتيق وحيدر العبدالله، وأدارها الإعلامي محمد الحمادي مساء الثلاثاء الماضي ضمن فعاليات المنتدى لموسمه الثقافي الخامس عشر. تضمنت الأمسية معرضاً فنياً أقامته فنانة المنمنمات إشراق العويوي، التي حازت على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية على أعمالها الدقيقة، والتي اضافت إلى هذا الفن اللمسة الخليجية لتجعل منه أداة فنية جديدة في المنطقة. قدم الشاعر محمد الحمادي للشاعرين المشاركين بتعريف موجز، مبينا ان حبيب المعاتيق من مواليد جزيرة تاروت في شرق المملكة، وهو يجمع بين الشعر العربي الفصيح وفن التصوير، صدر أول ديوان له بعنوان «حزمة وجد»، وحصل على العديد من المراكز المتقدمة في مسابقات وفعاليات أدبية داخلية واقليمية. اما حيدر العبدالله فهو من مواليد محافظة الأحساء بشرق السعودية، ويدرس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وقد حاز على لقب وبردة شاعر شباب عكاظ عام 2013م، والمركز الأول في مسابقة نادي جازان الأدبي لعام 2014م. تناوب الشاعران المبدعان على مدى أكثر من ساعة على القاء قصائدهم التي شملت الغزل والعاطفة والوجدان والهروب والحزن والهجران. وسط إصغاء وتصفيق الحضور. المعاتيق تألق في إلقائه وأبدع في اختيار قصائده، حيث افتتحها بقصيدة «يا ضحكة الأحباب» التي ضمنها آهات الألم والبعد، كما عبر فيها عن تأوهات الشاعر المرهف الإحساس: ظمآن، هل عالم بالحال يفهمني / الشوق أعنف مما ينبغي، وأنا لازال سيد أيامي، وأمنيتي / هل أنت يا ضحكة الأحباب ملتفتة ياقوم أضعف من أتقي عنته / للوصل لم تعد إلا – في الهوى- أمته تلاها بقصيدة يخاطب فيها ابنته (آمنة) عنونها «شيء من الحطب المحروق»، بيّن فيها غربته عن عالمه وعن ابنته العزيزة: غربتان التقتا في أوج أوجاعي العظيمة / وأنا تجتاحني في عصف عينيك الهزيمة، أخذ المعاتيق الحضور لعالم انساني أوسع حيث قرأ نص «عيناك ومد من الغربة»، المهدى إلى طفل التوحد ورفاقه من ذوي الاحتياجات الخاصة، واصل المعاتيق في عزفه على أوتار العاطفة الإنسانية في قصيدة "أمي.. تباريح كونية"، وختم الشاعر حبيب المعاتيق مشاركته بقصيدة "بعض اللحظات": بعض النظرات فتيلة نار عمياء/إذا اندلعت في القلب، تلم الأخضر والأملح. بعض النظرات رصاصة موت طائشة،/لا تقتل من ألف بريء، إلا أنت على الأرجح.
الشاعر حيدر العبدالله القادم من هجر، والمتلبس شعراً وأدباً وحباً، قدم العديد من قصائد الحب والعشق، بدأها بقصيدته المطولة "زفاف إلى اللغة": إلى لغة أشهى من الماس جيدها/كأني بها والثوب يغتاب كرمة انتقل بعد ذلك إلى قصيدة "العطر" في تجربة يلمس فيها معاني العطر وأسراره وتأثيره المتبادل بقوله: العطر يملؤه الصهيل وتعيش داخله الخيول فتح به يعد الندى، وتشي البحيرة والخميل أن الأزاهر أمة، والعطر بينهم رسول هو ردهة ترتاح فيها الريح، والأنثى تقيل
أسراره سحب يغازلها بلا كلل هطول حتى إذا ما دولب المفتاح .. وانطفأ الفتيل؛ فاحت وباحت بالذي كانت تبخره النخيل وفي قصيدته "تقاسيم شرقية" تألق العبدالله بشاعرية راقية، وبإلقاء متميز وجاء فيها: أرى وترين يرتعشان لي، تراودني (زليخاه)، فأطوي على جوعين، تشربنا المرايا
معي (القانون) تترعني يداه، متى إمتلأ المكان بنا كلينا .. بل أرى عطشين، فالقانون صنوي رواقا بين سكرته وصحوي على وجعين، في غرق وطفو تطبب، لا صدى، لا موج يروي! وأترعه بموالي .. وحدوي خوى! ونظل نملؤه .. فيخوي! وكانت آخر قصائده التي ألقاها هي "أغنيات للطفلة التي لعبتني"، والتي نالت استحسان الحضور وجاء فيها: أخاف من تشوقي إليك! أخاف من تخوفي عليك! أخاف أن أنام في يديك! آه .. لو كنت لم تكوني بقلبي! آه .. لو كنت لم أكن فوق متني! خففت لي فراشة الحب صدري .. غير أن الحياة قد أثقلتني! وبين ثنايا قصائده الرائعة، كان يترجل أبيات شعر نبطية عن الحب والبعد والهجران عبر فيها عن شاعرية مرهفة ولغة انسيابية جذابة. ومع هذين الشاعرين المفعمين أنهى مدير الندوة الأمسية الشعرية وسط تصفيق الحضور وتفاعلهم.