حتى في العصر الحديث من التوجيهات المقدمة من البنوك المركزية، يعتبر إدخال برنامج حكومي لشراء السندات في منطقة اليورو واحداً من أكثر السياسات رواجاً وتوقعاً وتسرباً من أي وقت مضى. ومع ذلك، لا زالت المبادرة تخاطر بأن تكون أقل مما يجب وتأتي بعد فوات الأوان، بحيث تترك منطقة اليورو في حالة صراع من أجل النمو وتعاني من الانكماش. الآن بعد مرور فترة على إعلان دراجي عن تطبيق برنامج التسهيل الكمي، نستطيع أن نقول: إن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي نجح في إظهار اثنتين من المفاجآت الصغيرة، حيث إن جهده في التسهيل الكمي يعتبر تقريبا 20% أكبر على أساس شهري مما كان متوقعاً من قبل، على الرغم من أن الهدف الإجمالي هو نفسه تقريباً. لقد وعد أيضا بأنه يمكن تمديد الموعد النهائي إذا لم تنجح الخطة في دفع التضخم إلى الوراء نحو هدف البنك المركزي الأوروبي، مقدماً التزاماً مفتوحاً للمشتريات التي تعتبر فاترة قليلاً في شروطها. «المقصود بهذه الخطوات أن يتم العمل بها حتى نهاية شهر سبتمبر من عام 2016، وسوف يتم تطبيقها على أية حال حتى نشهد تسوية مستدامة في مسار التضخم الذي يتسق مع هدفنا المتمثل في بلوغ معدل التضخم بأسعار أقل ولكن متقاربة من نسبة 2% فوق المدى المتوسط». أرغمت توقعات التضخم - أو الانكماش - البنك المركزي الأوروبي من ناحية، وقدمت لدراجي القوة الكافية لكي يلوي ذراع البنك المركزي الألماني. من ناحية أخرى. تراجعت الأسعار الاستهلاكية بنسبة 0.2% في منطقة اليورو في ديسمبر، وهي نسبة ما تزال بعيدة كل البعد عن هدف البنك. وقال دراجي: «هنالك القليل من الشك بأنه، على الأقل في رأينا، ينبغي على أحدهم التصرف». إن شراء سندات بقيمة 60 مليار يورو شهرياً من الآن وحتى شهر سبتمبر من عام 2016 سيضيف ما يقارب 1.2 تريليون يورو (1.4 تريليون دولار) إلى الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي، مما يرفعها إلى حوالي 3.3 تريليون يورو. وهذا لا يزال يترك البنك المركزي الأوروبي خلف نظرائه في لعبة «تضخيم الميزانية العمومية من أجل دفع النمو». من الواضح، أنه كانت هناك بعض الصعوبة في التفاوض مع البنك المركزي الألماني، الذي عارض تقديم برنامج التسهيل الكمي. قال دراجي: «كانت هنالك أغلبية كبيرة تؤيد ضرورة البدء به الآن، وكانت أغلبية ساحقة بحيث إننا لم نكن بحاجة إلى إجراء تصويت»، مضيفاً إلى أنه «كانت هنالك آراء متباينة بشأن الحاجة إلى التصرف الآن». لقد تم أحاطت الحيرة بالقضية الشائكة بشأن النهاية التي ستؤول إليها الخسائر في حالة تعثر الحكومات، مع تشارك بعضها ما بين المصارف المركزية الوطنية الفردية، لكن الجزء الأكبر منها بقي مع البنك المركزي الأوروبي، وهو سوف يشتري السندات بعوائد سلبية إذا دعت الحاجة لذلك. لذلك، دعونا نصفق لدراجي، إذ إنه استطاع جر البنك المركزي الألماني الذي كان يعارض بقوة برنامج التسهيل الكمي، وهذا بوضوح لم يكن أمراً سهلاً. سوق السندات تحب تلك المبادرة، وقد تراجعت تكلفة الاقتراض على السندات لأجل عشر سنوات في إسبانيا لرقم قياسي وذلك في أعقاب الإعلان عن ذلك. لكن الأمر استغرق 6 سنوات طويلة منذ أن بدأ المصرف الاحتياطي الفيدرالي برنامجه للتسهيل الكمي في الولاياتالمتحدة، وتقريباً نفس تلك الفترة الطويلة منذ أن أعاد بنك إنجلترا المملكة المتحدة إلى الحياة. إن تلك الاقتصادات (ومستهلكيها) يجنون الآن فقط الفوائد، وقد يعيش ناخبو اليورو ليشعروا بالأسف على تأخر البنك المركزي الأوروبي وتردده الذي استمر فترة طويلة قبل أن يحسم الأمر في النهاية.