يستحق ماريو دراجي أن يُنسَب إليه الفضل في ما فعله قبل أسبوعين. وجد رئيس البنك المركزي الأوروبي طريقة لمفاجأة المستثمرين، مع تخفيض أسعار الفائدة، والإعلان عن خطة تبدو إلى حد كبير وكأنها برنامج للتسهيل الكمي- وكلاهما قراران جيدان. مع ذلك، المركزي الأوروبي مقصر في بعض الجوانب. فهو يعطي تحفيزاً نقدياً يقل عن المطلوب، ثم إنه يُعَقِّد هذا الخطأ من خلال الإعلان عن عجزه هو بالذات. بالمناسبة، عوامل الإخفاق المذكورة ليست ذنب دراجي. وإنما هي موجودة بالأصل في تصميم البنك المركزي الأوروبي. هل من المؤكد أن منطقة اليورو بحاجة إلى تحفيز من السياسة النقدية؟ نعم، إذا كنتَ تفترض أن سياسة المالية العامة في منطقة اليورو لا تستطيع سد الفجوة- وهذا هو الوضع الذي توجد فيه الأمور الآن. هدف المركزي الأوروبي هو الوصول إلى التضخم عند مستوى يقل قليلاً عن 2%. التضخم الفعلي الآن هو عند 0.3%. صحيح أن هذه النسبة أدنى من 2%، لكنها ليست قريبة منها بأي حال. تظهِر توقعات البنك أن التضخم سيظل أدنى من 2% بنسبة كبيرة خلال السنتين القادمتين. والنسبة المتوقعة لعام 2016 هي 1.4%. وحتى هذه النسبة تظل مقصرة عن الهدف الذي أعلنه البنك. بالتالي السؤال الوحيد هو ما إذا كانت الإجراءات الأخيرة التي أعلنها البنك، إلى جانب التغيرات البسيطة التي أعلنها في يونيو الماضي، تمضي إلى مسافة كافية. حين نأخذها بحسب قيمتها الاسمية، فإن التخفيضات الجديدة لأسعار الفائدة تعتبر لا قيمة لها. قلص البنك سعر الفائدة المعياري على القروض من 0.15 إلى 0.05%، كما أن جعل سعر الفائدة على الودائع التي تضعها البنوك لدى البنك المركزي سالبة أكثر من قبل، حيث قلصها من سالب 0.1 إلى سالب 0.2%. وستكون الآثار المباشرة لهذا التخفيض غير ملموسة. كذلك أعلن دراجي عن برنامج جديد لشراء الأصول، سيبدأ العمل به في أكتوبر- وهذا ينطوي على مبالغ أكبر بكثير. سيشتري البنك المركزي أوراقاً مالية مدعومة بالأصول، وسندات مؤمنة. وقال دراجي إن البنك سيجعل آثار هذه المشتريات تعمل على توسيع ميزانيته العمومية. هذا يعتبر تحفيزاً نقدياً صريحاً، ويعتبر شيئاً جديداً على المركزي الأوروبي، لكنه مع ذلك لم يصل إلى مرحلة ما قام به الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، لأن البنك لن يشتري السندات الحكومية، وهذا يقلص النطاق الممكن للعملية. ولم يتحدث دراجي عن مدى حجم البرنامج، أو الفترة التي سيستمر خلالها. لكنه قال ما يلي: «الهدف هو التوجيه، بل والتوجيه بصورة مهمة، حجم ميزانيتنا العمومية نحو الأبعاد التي كانت عليها في مطلع عام 2012». هل يعني هذا العودة تماماً، أم بصورة جزئية؟ لا أحد يعلم. العودة التامة تنطوي على برنامج يزيد حجمه على 500 مليار يورو. (هذا مبلغ لا يستهان به، لكنه ليس هائلاً: منذ عام 2008 رفع الاحتياطي الفدرالي من ميزانيته العمومية بأكثر من 3 تريليونات دولار) ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك أوراق مالية مؤهلة بما يكفي لبرنامج من هذا الحجم- لكن في الوقت نفسه من غير الواضح بالضبط ما هي الأوراق المالية المؤهلة أصلاً؟ سوف يقول البنك المركزي المزيد عن كل هذه المواضيع في الشهر المقبل. مشكلة دراجي هي إلى حد ما أن هناك أعضاء آخرين في مجلس المحافظين في البنك المركزي الأوروبي- خصوصاً يينس فايدمان، رئيس البنك المركزي الألماني- لا يتفقون على أن هناك حاجة إلى تحفيز نقدي جديد. لكن بحد ذاته هذا ليس مهماً إلى حد كبير. يكفي أن تكون هناك أغلبية حتى يتم التوصل إلى قرار، وتم التوصل إلى قرارات الأسبوعين السابقين «بأغلبية مريحة»، كما قال دراجي. القضية الأعمق بالنسبة للبنك هي أن هناك شكوكاً قانونية تحيط بالتسهيل الكمي على غرار الاحتياطي الفدرالي. غالباً ما يُفهم ضمناً من كلام دارجي- كما فعل مرة أخرى هذه المرة- هي أن مثل هذا التسهيل الكمي يمكن القيام به وأنه يظل خياراً مطروحاً. لكن اضطر إلى اللجوء إلى الغموض. في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع الأخير لمجلس البنك، طُلِب منه أن يعطي تعريفاً للتسهيل الكمي، وأن يقول بالتالي ما هي طبيعة الإجراءات الجديدة. بخصوص الموضوع الأول، تعريف التسهيل الكمي ليس له علاقة حقيقية بحجمه، وإنما بالعوامل التي تؤثر عليه. بالتالي التسهيل الكمي هو الشراء الصريح للأصول. كمثال على ذلك، بدلاً من قبول هذه الأصول لتكون رهاناً مقابل القروض، سيقوم المركزي الأوروبي بالشراء الصريح لهذه الأصول. هذا هو التسهيل الكمي. وسينتج عن عملية الشراء أن البنك سيحقن الأموال في النظام المالي. يمكن للتسهيل الكمي أن يقوم على أصول تعود للقطاع الخاص، أو على أصول سيادية تعود للقطاع العام، أو الاثنين معاً. مكونات الإجراءات الحالية تهيمن عليها تسهيل الائتمان. الترجمة القريبة لذلك هي ما يلي: الإجراءات الجديدة هي نوع من التسهيل الكمي، بصورة معينة، لكن ليس في الواقع التسهيل الكمي من النوع الذي يسمح للبنك بالدخول فيه. أو لنطلق عليه «التسهيل الكمي الخفيف». بعد المؤتمر الصحفي، اتفق المحللون على أن أمراً مهماً قد حدث، لكنهم لم يكونوا متأكدين من طبيعته. عوامل اللبس التي من هذا القبيل تعتبر مؤذية. فهي تحرم البنك من الأداة التي يحتاجها. وبالنسبة لأية عملية تتعلق بنشر الإجراءات غير التقليدية، فإن هذا يقلل من قوة إعلانات البنك. كدليل على ذلك، التخفيض الضئيل في أسعار الفائدة فاجأ الأسواق ودفع باليورو إلى الأدنى (وهو بالتأكيد ما قصد إليه البنك المركزي). لم يكن الأمر حول حجم التخفيض وإنما في قوة الإعلان. كانت التخفيضات غير متوقعة لأن دراجي ألمح في السابق إلى أنه لا مجال أمام أسعار الفائدة أن تذهب إلى أدنى مما هي عليه؛ نتيجة لذلك، حتى التغيرات الصغيرة أعطت معلومات مهمة حول قراءة البنك المركزي للموقف. لو أن البنك المركزي أعلن عن برنامج للتسهيل الكمي، فهذا أمر جيد ومريح. ولو كان المستثمرون على يقين من طبيعته، وعلى يقين أنه سيكون هناك المزيد منه إذا دعت الحاجة، فسيكون حظ السياسة النقدية أقوى من حيث النجاح. ولأن الأمر يدور حول صلاحيات البنك المركزي الأوروبي، لا يستطيع دراجي أن يزيل هذا الغموض بنفسه، ويجدر أن يبدأ بمطالبة الحكومات الأوروبية أن تقوم بذلك بدلاً منه. تعاني اقتصادات أوروبا أصلاً من المشاكل، دون أن تضطر لتحمُّل تكامل هذا الغموض الذي يؤدي إلى الشلل.