اتبعت إستراتيجية منطقة اليورو الخاصة بمعالجة عللها الاقتصادية، نمطاً متوقعاً في السنوات الماضية، حيث تقوم هذه السياسة بالدوران في حلقة المطالب والرد عليها بين البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الألماني، البونديسبانك، ومن ناحية أخرى فإن تضخيم وسائل الإعلام لهذه الأنباء يعطي صورة سيئة عن المؤسسة المالية الألمانية، حيث إنها تظهر بمظهر من يعيق فاعلية الجهود التي يبذلها البنك المركزي الأوروبي. كانت محاولة منطقة اليورو للتوصل إلى سياسة فعالة، والتي ما تزال حتى الآن أدنى بكثير من مستوى عملية التسهيل الكمي، مؤلمة بلا ضرورة ومكررة بشكل مثير للإحباط. أولاً، يقوم رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، بتعديل مستوى بعض التمديد أو مستويات التدخل الأخرى للبنك، ويتبع ذلك استنكار من البنك المركزي الألماني لذلك مدعياً أن الاقتراح خطر أو غير قانوني، وفي النهاية يقوم دراجي بالتغلب على التردد الألماني ويحصل على ما يريد. من صلاحيات البنك المركزي الألماني، أن تخطر بباله الشكوك، وهناك الكثير من الاقتصاديين والمستثمرين والإستراتيجيين، ممن يشاركونه القلق من أن إطلاق العنان لعملية التسهيل الكمي ستقوي في النهاية من التضخم، لكن الشجب والاحتجاج العام من قبل البنك المركزي الألماني يؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه من خلال المحاولات المستمرة في تقييد قدرة دراجي على المناورة قبل أن يتنازل الألمان في النهاية، يتضاءل اثر كل تحرك صغير على الأعمال والشركات وتقل ثقة المستهلكين، وبالتالي يطلق هذا المزيد من الإجراءات. ذكرت مجلة فوكاس الألمانية أمس، أن دراجي توقف عن إبلاغ يينس فايدمان، رئيس المركزي الألماني وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، ما يخطط له، حيث إنه أصبح من «المستحيل تقريباً» العمل مع فايدمان، وأنه يقول، «لا لكل شيء»، كما قالت المجلة التي أوردت هذا النبأ دون أن تشير إلى مصدر المعلومات التي جاءت منه. كانت الفجوة السياسية الواسعة بين ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي واضحة للعيان مرة أخرى في اجتماعات صندوق النقد الدولي التي عقدت في واشنطن في الأيام القليلة الماضية، قال دراجي إنه يريد أن تتوسع ميزانية البنك المركزي لتصبح في المستويات التي كانت عليها في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2012، عندما بلغت ذروتها ووصلت إلى 3.1 تريليون يورو (تريليونات دولار)، مقارنة ب 2.05 تريليون يورو الآن، وقال دراجي يوم 9 أكتوبر: «إن هذا يقلقني بعض الشيء، وهناك خطر متعلق بإعلان هدف الميزانية العمومية». أصبح العالم متشككاً بالفعل من قدرة دراجي على إضافة أي شيء قريب من 1 تريليون يورو إلى القدرات النقدية للبنك المركزي الأوروبي، ولا يمكن لانتقادات فايدمان إلا أن تؤجج من هذه الشكوك وتؤذي جهود البنك المركزي الأوروبي. ولرؤية مدى الخطر الذي يحيق بآفاق الاقتصاد بالنسبة للمستثمرين، علينا أن نرى إمكانية أن ينظر فايدمان إلى منحنى العوائد الخاص بألمانيا، حيث يقوم المدراء الماليون بالدفع لأي شيء لأجل الحصول على ميزة الاحتفاظ بالمال في الأمان الملموس للسندات الألمانية بأي أجل، من شهر إلى ثلاث سنوات. وحيث ألمانيا تهدد بأن تلحق بجيرانها في ركب الركود الاقتصادي، فقد آن الأوان لأن يتوقف البنك المركزي الألماني عن الشكوى والتذمر وأن يبدأ بمساندة دراجي. ولو لم يعمل المركزي الألماني على عرقلة كل مبادرة من البنك المركزي الأوروبي، لما احتاج الأخير إلى الاقتراب بهذه المسافة القريبة للغاية من التسهيل الكمي التام، وهي رحلة تبدو بصورة متزايدة أن نهايتها ستكون هي تطبيق برنامج الشراء التام للسندات الحكومية، على غرار ما فعل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي على مدى السنوات القليلة الماضية، وهي نتيجة لا مجال أمام البنك المركزي الألماني إلا أن يلوم نفسه بشأنها.