استتبع الانفتاح الاقتصادي وتحرير حركة التجارة والأسواق في العديد من دول العالم تدفق ألوان متعددة من السلع والبضائع والخدمات التي تهدف إلى تلبية احتياجات المستهلك ومتطلباته الأساسية، ولكن من المؤسف يوجد فئة قليلة جداً من التجار (والكلام هنا عام وليس على السوق السعودي في حد ذاته) الذين ينتهجون سبيل المنافسة غير المشروعة لتحقيق أرباح عالية دون الاكتراث بالمعايير المشروعة وآداب وأخلاقيات المنافسة. وتعرف المنافسة غير المشروعة بأنها : "ارتكاب أعمال مخالفة للأنظمة والقوانين، أو استخدام وسائل منافية للشرف والأمانة في المعاملات متى قصد بها إحداث لبس بين تجارتين أو إيجاد اضطراب بأحدهما، وكان من شأنه اجتذاب عملاء إحدى المنشأتين للأخرى أو صرف عملاء المنشأة عنها". إذاً جوهر المنافسة غير المشروعة هو ارتكاب الأفعال والممارسات في الأنشطة التجارية أو الصناعية التي تمثل مخالفة صريحة لما نصت عليه الأنظمة. ولقد أدركت المملكة أن وجود نظام لحماية المنافسة من الممارسات غير المشروعة هو إحدى أهم الركائز الناجعة في توفير بيئة تنافسية تقوم على الكفاءة الاقتصادية. لذا قامت المملكة بإصدار نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4/5/1425ه المعدل بالمرسوم الملكي رقم (م/24) في 11/4/1435ه، حيث يهدف هذا النظام كما ورد في المادة الأولى منه ومن لائحته التنفيذية إلى: (1) حماية المنافسة العادلة وتشجيعها بترسيخ قواعد السوق وما يتداول فيه من سلع، وحرية الأسعار وشفافيتها. (2) مكافحة الممارسات الاحتكارية أو الممارسات التي من شأنها التأثير على المنافسة المشروعة من خلال القيام بفعل أو الامتناع عن فعل أو التسبب في فعل يخل بالمنافسة المشروعة. فضلاً عن الأهداف الأخرى. وفي هذا الاتجاه توجهت المملكة نحو ضمان حرية وحماية المنافسة للمنشآت المحلية والأجنبية لإيجاد سوق منافسة حر يسمح بتوفير وتطوير جودة السلع والمنتجات من جهة، ومن جهة أخرى للحد من انفراد بعض المنشآت بإحدى السلع أو المنتجات أو الخدمات الحيوية وممارسة وضع احتكاري عليها يؤدي إلى الإضرار بالمنافسة والمتنافسين على حد سواء، ويقود في النهاية إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني. كما قامت أيضا بوضع آليات محددة لإعادة هيكلة الأسواق من خلال تبني سياسة إدراج القيود والشروط التي تحول - قدر الإمكان - توجه المنشآت نحو الممارسات الاحتكارية. وتحقيقاً لذلك فقد نصت المادة الرابعة من النظام المشار إليه على أنه: "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت. وكذلك يحظر على المنشأة أو المنشآت - التي تتمتع بوضع مهيمن - أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة...". مما سبق يتضح لنا أن المادة سالفة الذكر قد تناولت بالحظر أي ممارسة أو اتفاق - أياً كانت طريقته - بين المنشآت المتنافسة ويكون غرضه الإخلال بالمنافسة الحرة. كما تناول الحظر أيضا أي ممارسة تصدر عن الشركات ذات الوضع المهمين من خلال القيام بأي عمل يؤدي للحد من المنافسة، ومن ذلك التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدة للبيع بالزيادة أو النقصان، أو الحد من حرية تدفق السلع والخدمات إلى الأسواق أو إخراجها منها بصفة كلية أو جزئية بأي وسيلة كانت، أو منع أي منشأة من استخدام حقها في دخول السوق أو الخروج منه أو عرقلة ذلك في أي وقت، إضافة إلى العديد من الصور الأخرى التي أوردتها هذه المادة. ونظراً لكون نظام المنافسة أحد أهم الأنظمة المتعلقة بالاقتصاد الوطني، فإن نصوصه لابد أن تكون شمولية تمكن المنظم من حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بشكل مرن بما يتواكب مع متطلبات السوق والمستجدات فيه. وسوف نكمل الحديث حول هذا الموضوع المهم في المقال المقبل إن شاء الله تعالى. المحامي والمستشار القانوني