كثيرون اندهشوا للشكل الذي خرجت به ميزانية العام المالي الجديد، ووجه دهشتهم أنها جاءت موفقة جدا ودون أي حاجة للبحث عن حلول مستعصية لمقابلة سد الثغرة التي كانوا يفترضون وقوعها، على ضوء انخفاض أسعار البترول والتي ذهبت إلى أكثر من 50 في المائة، كون الخزينة تعتمد بشكل رئيسي في الدخل على البترول بنسبة تزيد عن ال 90 في المائة. ولكن الذي يرقب ويتابع السياسة الاقتصادية السليمة التي انتهجتها الحكومة، يرى أنها إلى أي حد كانت حكيمة وكانت مستصحبة للتحوطات والمفاجآت. ان الأسس التي بنت عليها السعودية سياساتها الاقتصادية، كانت توازن بين سياسة الاعتماد على مصدر واحد وهو البترول وسياسة التنويع الاقتصادي والتي ترجمت عبر عدد من التوجهات الاقتصادية. ذهبت سياسة التنويع وإن كانت بشكل تدريجي وهو شيء طبيعي لخلق اقتصاد مستقر ومتوازن في نفس الوقت في اتجاه زيادة الاستثمارات الداخلية، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التجارة الخارجية وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة في زيادة نهضتها وبالتالي تمكين القطاع الخاص من لعب دور ملموس في تعزيز هذا التوجه الذي يفضي إلى شكل من اشكال التنوع الاقتصادي وبالتالي الحصول على سياسة اقتصادية توازن بين المصدر الواحد وهو البترول والتنويع من خلال مصادر أخرى ليست أقل أهمية وإن كانت أقل مدخولات وإيرادات بالقياس مع موارد دخولات البترول. كذلك هناك سياسة اقتصادية سعودية متأنية ومهمة جدا تتعلق بتوطين الصناعات بمختلف أنواعها، وخلق أشكال أخرى بديلة أو رديفة للوقود والغاز والبترول تتمثل في الطاقة الشمسية والطاقة الذرية، إضافة إلى الاتجاه نحو خلق أرضية كبيرة ومتينة للاقتصاد القائم على المعرفة. إن سياسة التنويع الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة، هدفت بشكل رئيسي إلى اتخاذ الكثير من التدابير الاقتصادية للتنويع وتحمل أي مخاطر في ظل الظروف الملحة والتي يكابدها الاقتصاد على المستويين الإقليمي والدولي، والتي تساهم بشكل أو بآخر في خلق سوق مضطرب للبترول والذي أخذت أسعاره في الهبوط بشكل كبير. خلاصة الأمر إن هذه السياسة الحكيمة المتأنية، أثمرت عن أكبر موازنة في تاريخها للعام المقبل تتضمن إنفاق 860 مليار ريال خلال 2015، كانت موفقة وسليمة بنسبة 100 في المائة، ما يؤكد نجاعة هذه السياسات، وقدرتها على مواجهة التحديات التي لا تزال تواجه الاقتصاد إقليميا ودوليا، مما يعني إنها سياسة التوازن الاقتصادي المطلوبة.