أيا تكون الأسباب وراء تقلبات اسعار النفط الحالية (أو المستقبلية)، فالحقيقة مفادها انه لا يمكن لنا الاعتماد الكلي على عوائد بيع النفط كمصدر دخل وكمحرك دائم للاقتصاد، ليس لأنه ناضب على المدى البعيد فقط، بل حتى لأن تقلباته على المديين القصير والمتوسط من الحدة ما تجعل من المستحيل التنبؤ بمساره، وبالتالي التخطيط السليم لاستخدام عوائده. ناهيك عن التطورات التقنية للطاقة البديلة وما سيصاحب ذلك من تغيير جذري في مدى اعتماد العالم على الطاقة النفطية. الدول الصناعية ذات الاقتصادات الكفؤة تستخدم النفط كوقود لتحريك آلة صناعية وخدمية ضخمة، آلة تصدر وتنتج وتبتكر وتطور وتقدم ما يضيف لدولها ومحيطها والعالم برمته. وهذه الدول الصناعية لا تخشى نضوب النفط أو ايجاد تقنية للطاقة البديلة او حتى تقلبات اسعار النفط وغيرها. ذلك ان النفط وغيرها من مصادر الطاقة مجرد وسائل لتحريك الصناعة، ومتى تم اكتشاف او ايجاد بديل ستستخدمه لتحريك آلتها. المشكلة في اقتصادنا اننا لم نستطع اخراجه من دائرة اعتماده الشبه الكلي على عوائد النفط. ومع تقلبات النفط السعرية، تتقلب اوضاعنا الاقتصادية صعودا ونزولا. لم ننجح حتى في صنع ما نعتبر اكبر دول العالم في استخدامه. فنحن اكبر دولة نفطية في العالم ونستورد كل ما له علاقة بآلات استخراج البترول، فيما عدا انابيب نقل النفط التي تصنع (بعضها) محليا. حتى سفن نقل وتخزين البترول نقوم باستيرادها من دول شرق آسيا، ومن كوريا الجنوبية تحديدا، التي نجحت بجدارة في جعل اقتصادها خدميا وصناعيا ينافس الصين واليابان وكثيرا من دول الغرب، على الرغم من قلة تعدادها، وعلى الرغم من شبه انعدام الموارد الطبيعية لديها. بلادنا اكبر مستخدم لتقنية التحلية في العالم، ونحن لا نملك أي تقنية تحلية، ونقوم باستيراد المحطات وكل ما له علاقة بالتحلية وتقنيتها. لا أعلم عن منتج لا نستورده عدا النفط ومشتقات النفط، ولا اعلم عن شيء نصدره غير النفط ومشتقات النفط. وعلى الرغم من هذا الوضع الغريب العجيب فعلا، لا اعلم عن خطة واضحة المعالم بجدول زمني محدد وملزم يخرجنا من هذا الوضع الذي لن يؤدي بنا الى ما يحمد عقباه. من المنطقي ونحن أكبر دولة تصدر البترول ان نعمل على ان نكون اكبر مصنع ومصدر لآلات استخراج ونقل البترول، او على الأقل ان نكون من اللاعبين الأساسيين في هذا المجال وهذه التقنية. ومن المنطقي كأكبر دولة تستخدم وتمتلك محطات تحلية في العالم، ان نكون اكبر مصدر لتقنيات المياه والتحلية وغيرها من التقنيات والصناعات المصاحبة. وهذه نقطة بداية منطقية للتحول من اقتصاد يعتمد على النفط كمصدر للدخل، الى اقتصاد يعتمد على النفط كمصدر للوقود كبقية الدول الصناعية في العالم. الانخفاض الحالي لأسعار البترول يجب ان يكون مذكرا لنا بخطورة وضعنا الاقتصادي الحالي الذي يقوم على تصدير النفط فقط. والقلق من هذا الانخفاض ليس مدعاة لبث الخوف من المستقبل، بل على العكس هو مدعاة لبناء مستقبل كفؤ يقوم على الصناعة والتقنية والعمل لمنافسة الدول بتقديم الأفضل صناعيا وتقنيا. وجود خطة عمل واضحة المعالم وبجداول زمنية، وبتحديد واضح للمسؤوليات وغير ذلك مما يجب تواجده ضرورة. وهذه الخطة يجب ان تعلن للجميع لتكون مدعاة للعمل الجماعي، كما يجب مراجعتها ونشر نتائجها وتحديد مسؤولية كل جهة في حالة الانحراف عنها ولو قيد انملة، وتغليظ العقوبة على الجهة المقصرة كذلك. فمستقبل بلادنا وأجيالنا لا ينبغي ان يكون عرضة للاجتهادات، بل ينبغي ان يكون خاضعا للتخطيط المحكم.