حين تجمعك الأقدار مع صديق ارتبط في ذاكرتك بلحظات جميلة وبفترة يافعة من عمرك، يوم كنتم تجهلون الكثير وتتطلعون سويا لمستقبل أفضل تحققون فيه ما رغبتم أن تكونوا عليه، وتكتشفون ما يخفى عليكم في هذا العالم من غث وسمين، فتلك ولا شك من أروع الصدف أو (أبرك الساعات) كما نقول. وأيضا حين تكون ضمن اجتماع معين في منزل جارك أو مدرسة ابنك او عملك، وتشارك الموجودين همومك ومشاكلك وتجاربك وتستفيد من خبراتهم وتستمع الى حكاياتهم، فذلك مما لا ينسى. ان ذكرياتنا تصنع من نكون، ومما يؤثر فينا كثيرا أن نشاهد أحدا نحبه قد فقد بعضا من ذاكرته أو كلها نتيجة مرض او حادث أو تقدم في السن، إذ يعز على النفس ويحز في الخاطر ان يتغير علينا او تنقص حكمته ونحس بأننا جزء من تلك الذاكرة المفقودة. من أجمل ما قرأت أقصوصة الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - (الزهايمر) والتي يصف فيها بكل دراما معاناة (يعقوب) مع المرض، وكيف قرر ان يبتعد عن زوجته وأبنائه ويلجأ إلى مركز متخصص في علاج هذا المرض، خشية أن يروه وحالته تتدهور ثم تنتهي القصة بوفاته قبل ذلك بنوبة قلبية حادة ومفاجئة. من العبارات الملهمة في الرواية على لسان جد (يعقوب) قوله: "كل يوم أعيشه هو هدية من الله ولن أضيعه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي"، وقد عدد في القصة أناسا ممن أصيبوا به ومن أشهرهم الرئيس رونالد ريجان، وهذا الأخير هو الذي قال "هذا مرض جميل! تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوها جديدة كل يوم". فما طبيعة هذا المرض المحير؟ وما أسبابه؟ ومن الفئة المعرضة له؟ وهل يمكن الوقاية منه؟ سأستعرض معكم هذه النقاط في السطور القادمة. مرض الزهايمر هو أحد أكثر أسباب الخرف شيوعا، وتظهر أعراضه غالبا بعد سن الستين كفقد تدريجي للذاكرة ومهام التفكير، وتختلف أعراض المرض وشدته من شخص لآخر، إلا أن المصاب قد يلاحظ بداية عدم قدرته على تذكر الأحداث والمحادثات اليومية، ثم يعاني في البحث عن حاجياته الخاصة في المنزل، وكذلك في ايجاد كلمات مناسبة أثناء الكلام، وأيضا خطره أكثر على النساء، وقد يكون للوراثة دور في عوائل معينة تحمل جينا يجعل أفرادها أكثر أو أقل عرضة له. من المعروف ان مرض السكري والسكتة الدماغية ومشاكل القلب، فضلا عن ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول والسمنة، تزيد على حد سواء من خطر الإصابة بالخرف، ويمكن لأي شخص أن يقلل من ذلك الخطر بإذنه تعالى عن طريق تبني نمط حياة صحي، وخاصة عند بلوغ سن الأربعين فما فوق، وهذا عن طريق ممارسة النشاط البدني المنتظم واتباع نظام غذائي صحي للحفاظ على وزن مثالي ومن المهم جدا عدم التدخين. باختصار إن أسلوب الحياة النشط والذي يجمع بين النشاط البدني والاجتماعي والعقلي بشكل دائم ومنتظم هو الموصى به، والله خير حافظا.