تأليف: الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى) الزهايمر رواية قصيرة جميلة سلسلة تثير أسئلة كثيرة حول الشيخوخة والذكريات والموت والحب والنسيان والألم، وفيها يقف البطل (يعقوب العريان) أمام بائعة العطور ليشتري زجاجة من عطر زوجته المفضل «اكسنتركس» تسأله البائعة ماذا يريد؟ ويحاول عبثاً تذكر الاسم، تحاول البائعة مساعدته على التذكر، إلا أنه يعجز تماماً عن تذكر اسم العطر، عطر زوجته المفضل، بعد دقائق أحمر فيها وجهه، وبدت عليه كل علامات الاضطراب غادر المتجر وهو يعد البائعة التي تبتسم بعطف بأن يعود عليها ومعه الاسم مكتوباً. هذا الكتاب هو آخر ما كتبه الأديب الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي -رحمه الله رحمة الأبرار- وهو على فراش المرض ليصدر بعد وفاته مطبوعاً عن دار بيان البيروتية اللبنانية، والقارئ والمتأمل في هذه الرواية القصيرة يجدها مكتوبة بطريقة الرسائل، حيث يرسل بطل القصة (يعقوب العريان) اثنتي عشرة رسالة في اثني عشر فصلاً، لزوجته المصرية الأخيرة، التي تدعى (نيرمين)، يقول الدكتور غازي القصيبي في الدلالة على ماهية هذه الرواية القصيرة ما نصه: (هذه ليست سيرة ذاتية، هذه رسائل من زوج إلى زوجته، وحتى لو كانت سيرة ذاتية هناك أشياء لا يجوز أن يطلع عليها أحد). وفي رسالة من البطل إلى زوجته في المستشفى الذي يعالج فيه من الزهايمر، يقول يعقوب العريان: إن هذا مرض استقراطي جداً، وإن عدداً من صفوة الصفوة في الغرب قد أصيبوا به.. وسأكتفي بذكر بعضهم: باري جولدواتر السياسي الأمريكي المعروف، وريتاهيوارث النجمة العالمية، وشارلتون هيستون ممثل الملاحم السينمائية الكبرى، وجوليانا ملكة هولندا، وأشهرهم جميعاً الرئيس رونالد ريجان، وهذا الأخير هو الذي قال: «هذا مرض جميل، تقابل الأشخاص أنفسهم، وتظن أنك ترى وجوهاً جديدة كل يوم».. هذا وقد سرد القصيبي في هذه الرواية القصيرة وقائع المرض والعزلة والمكابدة والمعاناة اليومية، وما اختياره لمرض (الزهايمر) الذي أصاب بطل الأقصوصة -على حد تعبير القصيبي- إلا هروباً نحو النسيان الذي يحول الحياة إلى شريط متتابع من الذكريات، وهذه الأقصوصة لها هدف تثقيفي توعوي، حيث عبر القصيبي عن مخاوف البطل ومشاعره النفسية، وأحاسيسه الذاتية في الرسالة الأولى، وفي الرسالة الثانية عرف بالمرض وتاريخ، وهي تقع في (127) ورقة من القطع المتوسط، ومن خلالها عرج القصيبي على قضايا هامة كالسياسة الأمريكية وعن العرب واليهود، والمراهقة والاختلاط وقضية فلسطين، ومن مباحث الرواية القصيرة (الزهايمر) تتبدى لنا سمة من سمات البطل: (يعقوب العريان) فهو مريض بالزهايمر لكنه لم ينفصل تماماً عن واقعه الذي يعيش فيه، ومن خلال الرسالة العاشرة يلخص القاص حقيقة مشكلة الزهايمر فيقول: (إذا كنت لا تصدق أن الزهايمر يعادل الموت فجرب أن تعيش معه سنة ونصف السنة، إنه أسوأ من الموت، في الفترة الطويلة التي تسبق الموت يختفي المريض ويحل محله شخص آخر يدّعى أنه هو، وأنت عبر اللقاء اليومي الحميم مع المريض، تصبح نسخة مرعبة شاحبة من نفسك القدية، أنت بدورك تبدأ فقد ذاكرتك، أنت بدورك تطور نوعاً من النسيان، ذا طبيعة قاسية، لا يعود وسعك أن تتذكر الشخص الطبيعي، الشخص الذي عرفته قبل المرض، بطبيعة الحال يمكنك أن تتذكر على نحو ما، ولكن الذكريات الحقيقية محجوزة خلف زجاج سميك لا تستطيع أن تختزنه لتصل إليها). واستطاع القصيبي -عليه رحمة الله- أن يخلط مساحة الحب والموت والحرية والفراغ في أسلوب درامي ساخر، يجمع بين لابتي الموضوعية والجمالية في تفصيل دقيق، ومشاعر عميقة، ومعاني سامية، وخير ما يمثل هذه الميزة والسمة من ميزات سمات الكتاب، قول البطل: (يعقوب العريان) لزوجته ما نصه: (قلت: أنت الدكتور «هنري كيسنجر» قال: أنا هو، قلت أنت الدكتور هنري كينسجر، قال: نعم، قلت ولماذا تسمى نفسك ديمري ويلنجر، قال: سبق أن أخبرتك أني أحب أن أظهر بمظهر الرجل العادي، لا أود أن يعرفني أحد، أنت الوحيد الذي أخبرته الحقيقة لأني أثق ثقة مطلقة في الأغبياء، قلت: أقدر ثقتك، قال: من أين أنت يا جاك؟ قلت (من العريان) قال: أرأيت كيف ضحكنا عليكم؟ قلت: وايش فيها ذي؟، كل الناس يضحكون علينا قال: هذا صحيح، لا أدري يا عزيزتي هل البروفسور هو حقاً، كيسنجر أم أن ذلك من هلوسة متطورة جداً، لا، لم يكن يشبه كيسنجر، وعزا ذلك إلى أنه قام بعمليات غيرت شكل وجهه هنا، يا عزيزتي يختلط كل شيء بكل شيء، تختلط الحقائق بالأوهام، ويختلط البروفسور بالبروفسور، وكل شيء هنا ممكن، وكل شيء هنا مستحيل). والقصة أو الأقصوصة على حد تعبير القاص، لها فلسفة أسلوبية خاصة كقول البطل (العريان): (كان نابليون نفسه من أسعد الناس حظاً، وصل إلى رتبة الجنرال في عامه الرابع والعشرين إلى أن قرر أن حظه سيتبع خطاه حينما ذهب، وذهب بعيداً جداً إلى روسيا، ولم يستطع حظه اللحاق به، وكان ما كان وقضى الإمبراطور سنواته الأخيرة يزرع الزهور ويربي الدجاج، وكان هتلر أسعد حظاً من نابليون، كان رجلاً متوسط الذكاء، رساماً من الدرجة الثالثة، ومتطرفاً إلى حد الجنون). وأخيراً: جاءت خاتمة الكتاب عبارة عن رسالة من الدكتور جيمس ماكدونالد موجهة لزوجة يعقوب العريان، وهي تتضمن تعزية لها في موت زوجها بنوبة قلبية حادة ومفاجئة لا علاقة لها بمرض الزهايمر المخيف. الكتاب جاء رائعة من روائع الأديب الشاعر الدبلوماسي الوزير السفير الإنسان غازي بن عبدالرحمن القصيبي أسكنه الله فسيح جناته، وعريض جناته. عنوان التواصل ص. ب 54753 - الرياض 11524 - فاكس: 2177739 / [email protected]