لا يزال ثعلب السياسة الأمريكية «هنري كيسنجر» أو عجوزها كما تنعته الصحف الأمريكية أحيانا في لفتة تقديرية لتاريخه السياسي المخضرم والذي عاصر خلاله عدة رؤساء للبيت الأبيض وعاصر أيضا جملة تحولات وتغيرات سياسية في كل العالم وربما كان هو شريكاً رئيسياً في رسم الطريق إليها جراء إستراتيجيات البيت الأبيض وعموم السياسة الأمريكية والتي تدار بعقلية حاخام متطرف يتبنى الصهيونية فكراً وعملاً وبشكل علني, كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية في الفترة 1973-1977م ومخطط اتفاق كامب ديفيد 1979م والشاهد على مرحلة الحرب الباردة وخبايا التنافس الشديد بين بلاده والاتحاد السوفيتي هو مستشار الأمن القومي في فترة الرئيس ريتشارد نيكسون والباحث السياسي الذي ظل يبيع خبراته للعديد من الشخوص والدول بعد تفرغه لهذا الدور الاستشاري الذي يدر ذهباً خاصة ممن يثقون في أطروحاته وآرائه وتلك الكاريزما الدبلوماسية التي صاحبت مراحله العملية فهو يعرف متى يتحدث وتغلب عليه حالة الإنصات والهدوء في المواجهة واستجماع القوى والرد في حدود كلمات بسيطة غالبها مأخوذ مما قال المتحدث؛ لذلك تقاطر الزبائن للتعاقد مع دكانته السياسية كسباً لوده القديم والمؤثر حتى في صقور السياسة الأمريكية اليوم ممن أعجبهم تأثيره وهو في زهو شبابه السياسي عندما كان العالم يعرفه أكثر من غيره من وجوه السياسة خاصة في حرب 73م. والوقف التاريخي العربي لإمدادات النفط كان كيسنجر هو مهندس المرحلة وسيد المشهد الذي بدد مخاوف الغرب من تعطل آلتهم الصناعية وبشرهم بعودة الإمداد النفطي عاجلاً معللا الحدث بحالة غضب عربي سرعان ما تزول, بينما على الجانب الآخر يحذر العرب من اللعب بالنار مرة أخرى, لذلك كان كيسنجر هو سيد الموقف في تلك المرحلة؛ كيسنجر والذي لم يعاصره جيل الرئيس باراك اوباما أو مسئولي الخارجية المتأخرين إلا من خلال تلك الصور المعلقة له في بهو مبنى الخارجية في واشنطن بينما لتلك الصور دلالاتها ورمزيتها عند كل موظفي الخارجية حيث يستذكرون مواقف الرجل العجوز ومناوراته التي يسيطر عليها محاور النفط وإيران والصراع العربي الإسرائيلي والاتحاد السوفيتي والصين حتى مع تنظيره لحالة الربيع العربي ظلت تلك المحاور هي الجوهر في تحليلاته والتي لا يزال يبيعها على من يقتنع برأيه وحتى عندما فقد العجوز بعض زبائنه الدائمين لجأ إلى حيلة الميديا وتأثير عناوين الصحافة العالمية للحضور العلني عليها وإطلاق التكهنات والتصورات وتخويف من به ريبة أملا في اللجوء إليه وإلى استشاراته الاحتمالية. الرجل لم يعد يتعاطى مع تاريخه كإرث يوفر له الزهو والحماسة في هذه السن المتقدمة التي تخالطها انتهازية الزهايمر بل هو يعلن من خلال أطروحاته المتأخرة أن النصر دائماً لإسرائيل وان نتائج الربيع العربي ستجنيها إسرائيل ويحرض إدارة بلاده لاحتلال دول النفط السبع هنا في الخليج ضماناً للإمداد والسيطرة على العالم؛ عموما كيسنجر يتحدث ثم يبيع بينما هناك من بني جلدتنا من ينفذ ويحمل السلاح في وجه أخيه ومواطنيه تحقيقاً لطموحات كيسنجر ومن معه. * إعلامي وكاتب سعودي