أجد من واجبي الاعتراف بالخطأ، سبق أن تحمّست لقرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، وأعتقد حينها أن الجامعة تحاول تغيير جلدها والتعاطي مع الوضع في سوريا بوسائل أكثر فاعلية، لكن بعد استمرار نظام بشار الأسد في قمع الشعب السوري بوسائل وحشية، دون أن تتقدّم الجامعة خطوة واحدة للأمام، بل على العكس، غرقت دبلوماسية الجامعة العتيقة في جدال عقيم مع الدبلوماسية السورية التي أثبتت أنها تجيد المراوغة، بداية من شروط البروتوكول الخاص بفرقة المراقبين، وما استغرقته من وقت في الجدال مع الاستمرار بالقتل، مرورًا بوضع تعقيدات منظمة على عمل المراقبين، الذين لا ندري ماذا سوف يراقبون؟ وصول عشرات الأفخاخ الدبلوماسية المعدّة من النظام السوري لسرقة الوقت، أقرّ بخطئي في تحليل القرار السابق. كنت أعتقد أن الجامعة تدرك أن الطريق أمام التدخّل الدولي يتسع يومًا بعد آخر، وأنها تعمل على سدّ هذا الطريق لكن ما حدث عكس ذلك، قرار تعليق العضوية يعني ضمنًا عدم الاعتراف بالنظام السوري، إذًا لماذا نقبل شروطه؟ إن كل يوم يمرّ يكلف دماء شباب يفقدون حقهم في الحياة بأعداد مرعبة، بالتأكيد لا تصلح الوسائل الدبلوماسية العتيقة للتعامل مع حالة سوريا.. المنطق ضياع كل هذا الوقت وما شمله من أرواح، ثم نكتشف ببساطة أن الجامعة لا تفكّر حقيقيًّا في تطوير أدواتها، وسرعة أجهزتها، وتتمسّك بالقديم الذي اعتادت عليه، وهذا الطريق يوصل بالضرورة لإحالة الملف بأكمله إلى مجلس الأمن، أي الباب الواسع للدخل الأجنبي وهذا ما لا نريده، ولا يريده أي عربي وما نشاهده هو أن الجامعة تراجعت خطوتين للخلف بعد أن تقدّمت واحدة، النتيجة هي خطوة للخلف هذ ما يفسّر حالة الارتباك الدبلوماسي. كنا ننتظر أن تحدث مفاجأة، معجزة من السماء تعفي الدبلوماسية من الأعباء الثقيلة، الكل يراهن على الوقت.. نظام الأسد مقتنع بقدرته على قمع الجماهير داخليًّا، مع الاعتماد على الدعم الروسي والصيني خارجيا.. العرب في حالة انتظار نجاح الثورة أو فشلها، الغرب ينتظر اللحظة المناسبة ويستعد لها، الاحتمالات واضحة، إما أن تنتصر الثورة ليرتاح الجميع، أو تنهزم ليرتاح الجميع أيضًا، وبينهما خطر التدخّل الأجنبي، المشكلة أن الجامعة العربية صارت لاعبًا رئيسيًا، وتراجُع أدائها لا يعني فشلها في قضية سوريا وفقط. بل يعني فشلها كمنظمة إقليمية، وبالتالي فقدها مبرر وجودها، الجامعة إذًا امام مفترق طرق، إما إدراك اللحظة، أو زوالها وليس تحوّلها لمنظمة جديدة.