النفط يعتبر أكثر أهمية بكثير من الوقود، إنه قوة أكبر حتى من سوقه البالغة 3.4 تريليون دولار، إنه سلاح وثروة إستراتيجية، إنه لعنة، إنه صانع ومفسد الثروات، وهو مؤشر رئيسي ودائرة الصدى، كل هذه الأدوار لها دور في تحديد سعره، والنتيجة هي سوق غريبة تنطق بالكثير عن الاقتصاد والسياسة العالمية وبالمقدار الذي تقوله حول العرض والطلب. طبيعة الموقف بعد أربع سنوات من أعلى متوسط لأسعار النفط في التاريخ، والتي تبدو في كثير من الأحيان وكأنها تحدي للجاذبية الاقتصادية، انخفض النفط في منتصف عام 2014، وقد ارتفع إلى 107.73 دولاراً للبرميل في حزيران يونيو حتى مع استخدام الأمريكيين والأوروبيين للسيارات الموفرة للوقود بأميال أقل، وهو ما يحد من استهلاك البنزين، أكبر مصدر للطلب على النفط، وفي الوقت نفسه، توسع العرض وأدى ارتفاع الأسعار المستدام إلى جعل تقنيات مثل الحفر في المياه العميقة والتكسير الهيدروليكي تعطي النتيجة المرجوة منها. وبدأت تلك الأساسيات في إحداث آثارها في فصل الصيف، حيث تباطأت الواردات الصينية وتأرجحت أوروبا على حافة الركود، وأدى الاقتصاد الأمريكي الأقوى إلى جعل برميل النفط المسعر بالدولار أكثر تكلفة نسبياً، بدلاً من إيقاف التخمة من خلال ضخ كميات أقل من النفط، شارك المصدرون في الشرق الأوسط بعمل حرب في الأسعار للدفاع عن حصتهم في السوق، وقد خففت المصادر الجديدة للإمدادات مثل الرمال النفطية الكندية والنفط الصخري من الولاياتالمتحدة قبضة أوبك على السوق. وضع السعودية يؤهلها للاستفادة، في الوقت الذي تعمل فيه الأسعار الأقل على الإضرار بالمنافسين السياسيين والاقتصاديين مثل روسيا، وإيران، الذين يواجهون في الأصل ضغوطاً قوية بسبب العقوبات، ويساعد النفط الرخيص أيضاً المنتجين السعوديين على التنافس بشكل أفضل ضد الولاياتالمتحدة، حيث تكاليف الإنتاج أكثر، في منتصف أكتوبر، انخفض السعر دون 80 دولاراً للبرميل، وهو ما أدى إلى الضغط على المستوى الذي يصبح عنده التنقيب عن النفط في الولاياتالمتحدة في نورث داكوتا وتكساس يمكن بدوره أن يستمر في إدرار الربح. خلفية الموضوع خلال منتصف القرن العشرين، سيطرت مجموعة من شركات النفط العملاقة المتعددة الجنسيات المعروفة باسم الأخوات السبع (بما في ذلك الشركات التي أصبحت إكسون موبيل وشيفرون و بريتيش بتروليوم) على السوق، وللسيطرة على براميل النفط ابتداء من رأس البئر إلى خزان البنزين، تداولوا بشكل رئيسي مع بعضهم البعض وفقاً لشروط سرية؛ لم تكن هناك سوق مفتوحة، البلدان التي لديها حقول النفط تمكنت من انتزاع مزيد من السيطرة مع تشكيل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في عام 1960. تستخدم الدول العربية الأعضاء في أوبك قوتها لغايات سياسية واقتصادية، وهو ما أدى إلى صدمة الاقتصاد العالمي مع الحظر الذي حدث في عام 1973 و1979. في الثمانينيات، أدى الاقتتال في أوبك، وظهور موردين جدد وتطوير بورصات العقود الآجلة، إلى وجود الأسعار القائمة على السوق الجديدة، اليوم المعيار الدولي هو خام برنت من بحر الشمال، والذي يتمتع بميزة الاستقرار السياسي لكن يعاني في الآونة الأخيرة من انخفاض الإنتاج الذي يجعل التداول غير منتظم، بدأ المؤشر الأمريكي، خام غرب تكساس المتوسط، بالتداول حول أقل من سعر برنت في عام 2010، حيث أصبحت إمدادات النفط الصخري وفيرة، في العام الماضي، داهم الاتحاد الأوروبي مكاتب شركة شل وبريتيش بتروليوم وغيرها للتحقيق في التلاعب الممكن في الأسعار المرجعية التي تنتجها الشركة الناشرة بلاتس. تحليل الموضوع في الوقت الذي يعمل فيه العالم على تصنيع واستهلاك المزيد من الطاقة، فإن كل برميل من النفط الجديد يكلف أكثر مما كان معتاداً، لأنه تم بالفعل ضخ نفط أرخص وأسهل في التصنيع، هذه الملاحظة أدت إلى وجود نظرية تسمى «ذروة النفط»، التي ترى أن الإنتاج العالمي سوف يصل ذروته في نهاية الأمر ويتراجع وفي الوقت الذي تُستنزَف فيه الحقول النفطية، يشير المتشككون في هذه الفكرة إلى الابتكارات التكنولوجية التي تسمح شركات الإنتاج الأمريكية باستخراج النفط والغاز من الصخر الزيتي من مكامن لم تكن نفاذة في السابق، وفتح موارد جديدة واسعة، وإن كان ذلك مقابل تكاليف أكبر، المسألة لا تتعلق بكمية الإنتاج بقدر ما تتعلق بتكلفة ذلك الإنتاج. العامل المتغير الآخر، بطبيعة الحال، هو الطلب، والضعف المذهل الذي شهدناه هذا العام يثير أسئلة على الأمد الطويل حول مستقبل النفط، في الوقت الذي يصبح فيه المستهلكين أكثر كفاءة في الاستهلاك، ويتحولون إلى مصادر الوقود البديلة، مثل الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، في عام 2012 شكَّل النفط 31% من الطاقة العالمية، بعد أن كانت هذه النسبة هي 46% في عام 1973، ربما يأتي يوم يصبح فيه النفط رخيصاً لأنه لم يعد مرغوباً، هذه هي الحجة التي غالباً ما يتقدم بها أنصار التنويع والابتعاد عن النفط، وهم يحذرون من احتمال وقوع أزمة مالية نتيجة انفجار «فقاعة الكربون»، التي تقوم على التضخم في تقييمات شركات الطاقة بعد ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، من أجل بيان تكاليف المساهمة في الاحترار العالمي للأرض.