لم نكد ننسى الجريمة البشعة التي أودت بحياة طالبة الدكتوراة السعودية ناهد المانع في كولشستر، بمقاطعة إيسيكس قبل خمسة أشهر إلا وتفاجئنا الأخبار باختفاء المبتعث عبدالله القاضي في أمريكا والذي عثرت شرطة لوس أنجلوس في الولاياتالمتحدةالأمريكية ليلة الخميس الفائت على جثته في مدينة «بالم دزرت» التي تبعد مسافة 3 ساعات عن شرق نورثريدج، وأعلنت الشرطة أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً يوم الاثنين القادم؛ للكشف عن كل تفاصيل الجريمة؟! رحم الله ناهد المانع وعبدالله القاضي وغفر لهما وأحسن مثواهما وألهم ذويهما الصبر والسلوان و«إنا لله وإنا إليه راجعون». لو سألت أي طالب ما هو طموحك بعد التخرج من الثانوية العامة لأجابك الابتعاث إلى خارج المملكة لإكمال الدراسة في أرقى الجامعات العالمية وحصد المزيد من المعارف والعلوم، وبالتأكيد هذه أمنية كل عائلة أن يُبتعث ابنها أو ابنتها للدراسة في الخارج، لكن الابتعاث ليس مجرد موافقة وزارة التعليم العالي وليس اجتياز اختبار قياس وليس اجتياز الشروط المطلوبة للقبول وليس مجرد تذكرة سفر وتأشيرة دخول لدولة وليس القبول في احدى الجامعات العالمية؟ كتبت سابقاً عن الابتعاث وبأنني مع الدولة في تكثيف برامج الابتعاث وما له من آثار ايجابية ستنعكس على مستقبل المبتعث المشرق ومستقبل الدولة الواعد، وفرحت بتمديد الابتعاث لخمس سنوات قادمة وطالبت وزارتي التعليم العالي والخارجية بتهيئة المبتعثين وتثقيفهم بدورات تأهيلية لمدة لا تقل عن 45 يوماً عن أنظمة كل دولة يتم الابتعاث إليها ومن يجتز تلك الدورة يتم ابتعاثه، كما رجوت أن تقوم الملحقيات التعليمية في تلك البلدان بدورها في متابعة سلوك المبتعثين وتوجيههم قبل القبول وبعده ونصحهم ومتابعة تحصيلهم الجامعي كما هو معمول به في شركة أرامكو السعودية عند ابتعاثها لمنسوبيها فمن يخفق في المحافظة على المعدل المطلوب أو يُسيئ السلوك يتم إنذاره وإعادته إلى المملكة. الابتعاث هو أن تكون سفيراً للوطن وقبل ذلك للدين الإسلامي الحنيف بالاجتهاد في تغيير انطباع العالم الغربي عن الإسلام والمسلمين وشعوب الصحاري القفار الغنية بالبترول بأن تلك الشعوب ليست متخلفة وبأنها تحترم الآخر وتتقبل تعدد الأديان وأنها شعوب مُسالمة وتحترم الأنظمة المرعية في الدول الصديقة، فتلك البلاد تختلف قيمها وعاداتها وتقاليدها عن القيم والعادات والتقاليد السعودية، ولذا على الطالب المبتعث أن يفطن لذلك ولا ينساق نحو عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم، ويهمل قيمه وعاداته وخاصة الدينية منها، أو يعجب في عاداتهم وتقاليدهم لحد درجة ممارستها. هناك فئة تخرج لنا بين الفينة والأخرى تُطالب الدولة بإلغاء الابتعاث وبأنه يدمر الشباب والفتيات ويُغذيهم بأفكار غربية تتعارض مع قيمنا الإسلامية وفي رأيي أن التعميم خاطئ وهذه خطوة موفقة من الدولة -أعزها الله- ومن يقل إن برنامج الابتعاث فاشل جانبه الصواب فما يحدث لطالب مبتعث من صعوبات أو مشاكل قد لا يكون بالضرورة حدث لطالب آخر فطلب العلم يحتاج إلى مثابرة وصبر ومتابعة من قبل الدولة ومن الأهل فأغلب المبتعثين أعمارهم لا تتجاوز ال 18 ربيعاً وخبرتهم في قوانين البلاد التي يبعثون إليها قليلة، فالدراسة في الغرب تتسم بالجدية، واحترام وقت التعليم والتعلم، والاعتماد على المهارات العقلية أكثر من الحفظ والاستظهار، والطالب الكسول، أو كثير السهر، أو غير المبالي، سيواجه مشكلات جمة في سبيل التحصيل الدراسي ومن أبرز تلك المشكلات هي الاختلاط مع الجنس الآخر.