قال الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» [الزمر:9]. منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا أنظر الى والدي العزيز المؤرخ الشيخ أبو حسن جواد حسين الرمضان- أطال الله في عمره وحفظه من كل مكروه- بنظرة الحب والتقدير والإعجاب. لقد كان يعجبني حبه لطلب العلم والثقافة والمعرفة وتواضعه وطيبة قلبه وقوة إيمانه وتقواه بدون تطرف ولا غلو, فهو يعامل جميع الناس مهما كانت مذاهبهم وميولهم واعتقاداتهم وجنسياتهم بكل حب واحترام وتقدير. شعار الوالد هو قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». الوالد -حفظه الله- له أسلوب متميز في التحدث فهو يأسرك بأحاديثه الجذابة وأسلوبه الراقي في الكلام وقصصه الشيقة المليئة بالحكمة والموعظة والتي تحلق بالمستمع وتأخذه إلى عالم آخر وأزمنة مختلفة معطرة بعبق التاريخ. عندما نجلس ونتحدث مع الوالد نشعر أننا أمام موسوعة في الثقافة والتاريخ والأدب. فوالدي من الناس الذين يقدسون الكتب والثقافة والمعرفة فلا ندخل البيت إلا ونرى الكتب والجرائد بين يديه ومن حوله. لقد تحول منزل الأهل إلى مكتبة ضخمة فالكتب موجودة في كل زاوية في البيت. من الأشياء التي تجلب الفرحة والبهجة إلى قلب الوالد الابتسامة الصادقة والكلمة الطيبة والتحية الحارة, فهو مستمع جيد ومتحدث بارع لا يمل الإنسان من كلامه وقصصه الشيقة والممتعة, وهو يعشق التحدث عن التاريخ والأدب وذكريات أيام زمان. يتميز الوالد بالحنان والطيبة والكرم والتواضع, فهو يهتم بالجميع الكبير والصغير ويحبهم ويقدرهم ويعتني بهم ويداعبهم بالكلمات الطيبة واللمسات الحانية, ودائما يحاول ادخال البهجة والفرحة على قلوبهم بسرد القصص الهادفة والممتعة والشيقة. كان دائماً ولا يزال يغمرنا بحبه وحنانه ويهتم كثيراً بصحتنا وتعليمنا وثقافتنا. عندما كنت صغيرة كنت استغرب من مدى حب والدي العزيز وعشقه للكتب والقراءة لكني عندما كبرت عرفت السر. فالذي يريد الحكمة والمعرفة والثقافة وأن يعيش عمره وعمر مئات من البشر الذين عاشوا قبله ومعه فليقرأ. القراءة غذاء العقل والروح وهي تفتح للإنسان أبواب الحياة فيستطيع التحليق في جميع أنحاء العالم وفي جميع الأزمنة ويعيش حياة مليئة بالمتعة والسعادة. فالقراءة تنعش الروح وتجدد خلايا المخ وتجعل الإنسان لا يشتكي من الفراغ ولا الملل فحياته مليئة بالأحداث والمغامرات والقصص والصور الخيالية الجميلة. لقد أثبت العلماء حقيقة مذهلة وهي أن الإنسان الذي يقرأ لا يصيبه الخرف في كبر سنه بل يستمتع بحياته وذكائه طوال العمر. للوالد مكانة كبيرة جداً في قلوبنا وقلوب جميع من يعرفه فهو ليس فقط والدي وتاج رأسي وقدوتي في الحياة بل كنز من الكنوز التراثية والأدبية والتاريخية والثقافية والاجتماعية. والحمد لله قام الكاتب المبدع سلمان حسين الحجي مشكوراً بالتنويه عن هذا الكنز وذلك بعمل جلسات مع الوالد وتم توثيقها في كتابه «أمالي الرمضان بقلم سلمان» الذي يتحدث عن سيرة الوالد وذكرياته وقصص ومواقف وطرائف وأحداث مرت عليه ورحلة كفاحه في سبيل حفظ تراث الأحساء وتاريخها للأجيال القادمة. في الحقيقة الكتاب يحلق بنا في رحلة جميلة في عبق تاريخ الأحساء وتراثها العريق. وإن شاء الله يتحقق حلمنا وحلم الوالد وحلم أهل الأحساء برؤية جميع كتب الوالد مطبوعة ليعرف العالم أن منطقة الأحساء ليست فقط جميلة بطبيعتها الخلابة التي خولتها لدخول مسابقة عجائب الدنيا السبع بل غنية بتراثها العريق وكثرة علمائها وأدبائها وشعرائها ومفكريها ومبدعيها.