على الرغم من أننا ما زلنا في اليوم الأول من معرض الرياض الدولي للكتاب، إلا أن حجم الإقبال فاق التوقعات، بل وحجم الشراء كون كثير من الناس يعتبرون اليوم الأول جولة استكشافية وليست للشراء. استوقفني عند المدخل وفي موقف السيارات مشهد شيخ مسن وبجانبه طفل، وهما يحملان أكياساً مليئة بالكتب تقدمت منه وألقيت عليه التحية، ولما عرف أني صحفي وافق على الحديث شريطة عدم التصوير اسمه إبراهيم بن سعد أبو سعد الذي قال إن المعرض تميّز بالتوسع في دور النشر وتعدد العناوين، لكنه علّق على نقطة الأسعار، حيث قال إنها غالية ومسألة التخفيض مجرد كلام. أمام جناح ضيف الشرف المملكة المغربية، فكان أحد أبناء المملكة العربية السعودية يشرح لزوار المعرض عن المغرب بما يتجاوز ربما المعلومات التي لدى المغاربة، حيث كانوا يقفون مستمعين لشرحه كغيرهم، إنه الأخ إبراهيم الأنصاري الذي تحدث عن انطباعاته قائلاً: بالنسبة للمعرض فمن نافلة القول إنه فرصة جيدة لمحبي الثقافة للاطلاع ومتابعة كل جديد في عالم النشر والتأليف، وفيما يخص المغرب فهي قضية اهتمام شخصي، فأنا مهتم بالتاريخ وقارئ للتاريخ المغربي، وأيضاً من خلال زيارتي الشخصية للمغرب، ولا نستطيع الحكم على المعرض من أول يوم، فأنا أُلاحظ أن الزحام أقل من اليوم الأول في العام الماضي.. هل مرد ذلك إلى التوسع الحاصل في صالات العرض لهذا العام أم إلى قلة الزوار؟. الدكتور موسى مبروك عسيري، وهو إعلامي وأكاديمي سألناه عن المعرض وانطباعاته فأجاب: كما يقول المتنبي: وخير جليس في الزمان كتاب.. فالكتاب هو الذي سيظل الصديق المؤتمن، وأنا تربطني بالكتاب علاقة حب لا أجد لها تفسيراً، فغرفة نومي تجد فيها كتباً أكملت قراءتها، لكني يعز علي إخراجها، مجرد النظر إليها يبعث في نفسي ارتياحاً كبيراً، ولا شك أن معرض الكتاب يُعد تظاهرة ثقافية كبيرة، فقد أصبح ملتقى المفكرين والأدباء والمثقفين ومن كل الأطياف أصبح عامل جذب مهم، وهو تسويق للفكر فحتى الذي ليس بينه وبين الكتاب تلك العلاقة قد يذهب من باب الفضول مع أي حد، ولا بد أن يشتري كتاباً وتنشأ بينه وبين القراءة علاقة والمعرض يجمع بين الأحباب وبين أبناء القبيلة كما وصفهم المرحوم غازي القصيبي عن قبيلتي أحدثكم، ويقصد المثقفين وهم أجمل القبائل. وعن استضافة المغرب كضيف شرف على معرض الكتاب قال: الاستضافة مهمة وإن كانت متأخرة فمن المفترض أن نبدأ بالدول العربية، ومن ثم ننتقل إلى العالم ولا شك أن مشاركة المغرب المعروفة بمثقفيها ومفكريها وأدبائها وكتّابها.. أنا ذهبت إلى المغرب وفوجئت بهذا الزخم الثقافي حتى بما تختزنه الذاكرة الشعبية من تراث تاريخي وحتى في علوم القراءات للقرآن الكريم، ومما لا شك أن هذه الاستضافة ستمثل إضافة إلى المعرض بغض النظر عن التلاقح الثقافي بين مغرب الوطن العربي ومشرقه، فنحن قريبون، ولا توجد تلك القطيعة والبعد جغرافي فقط، وإذا ذهبت إلى المغرب ستجد أن هناك تراثاً يخصك في كل مكان تذهب إليه. الدكتور سامي المهنا الزميل الصحفي المعروف تحدث قائلاً: معرض الرياض الدولي للكتاب أرسى في حياتنا شيئاً جديداً، فأصبح الإنسان لديه في برنامجه السنوي محطة ثقافية بين زحمة المؤتمرات والملتقيات ومهرجانات التسوق الأخرى، وما زال بيننا وبين القراءة مسافات، ومثل هذه التظاهرة قد تشجع على القراءة، ومن ثم نخرج من دائرة الاتهام بأننا أمة لا تقرأ وجميل أن نرى الأطفال هنا في معرض الكتاب.. هذا يُرسخ في وجدانهم أن هناك كتاباً وهناك قراءة ضرورية للإنسان. في جناح المغرب التقينا بممثل وزارة الثقافة المغربية الذي تحدث قائلاً: نحن سعداء بهذه المشاركة في المملكة العربية السعودية، وقد تفاجأنا بما يعرفه الناس عن المغرب كثقافة وفكر وتراث، فلم تواجهنا أسئلة تنم عن قلة معرفة، وهناك إقبال كبير ويسأل الناس هنا عن كتب بعينها وكتّاب بأعينهم، وقد حاولنا من خلال مشاركتنا بهذا المعرض تقديم الجديد في المجال الأدبي والفكري والمعرفي بشكل عام. محمد القرشي أحد الزوار تحدث قائلاً: أتينا إلى المعرض هذا العام بحثاً عن بعض الكتب الفكرية التي تقدم قراءة للواقع حتى نعرف ما الذي يجري في الساحة العربية من وجهة نظر بعض المفكرين، أما الكتب التراثية فهي موجودة ومتوفرة في كل وقت. الأخ عبد الله الجعيد قال: هذا العام يلمس الزائر أن التنظيم جيد وعدد العارضين ودور النشر في توسع إلى جانب البرنامج الثقافي المتميز من ندوات ومحاضرات، والإقبال الجماهيري لا يُمكن الحكم عليه من أول يوم. نوف العريفي من جمعية افتا لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط الحركي وذويهم، وفي جناح الجمعية في المعرض تحدثت قائلة: هدفنا من المشاركة هو التوعية من خلال الزوار، وكما تلاحظ هنا فريق من المتطوعات يقمن بهذه المهمة ولدينا كتب قصص للأطفال نبيعها وريعها لصالح الجمعية التي تعمل رسمياً بترخيص من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، ونستغل المعرض للتعريف بهذه المشكلة التي يعاني منها عدد من الأسر. وتتواصل جولتنا في المعرض، وكان الختام مع المفكر السعودي منصور عبد الرحمن عطي الذي قال: في الحقيقة أنا من رواد معارض الكتاب هنا، وفي بعض البلدان العربية ومنها معرض القاهرة الأخير، وقد وجدت أن المعروض هو عبارة عن عناوين قديمة بطبعة جديدة، وكأن الفكر العربي قد توقف عن الإبداع فأكثر ما يغلب على المعروض الطابع الديني والتراثي، وليس هناك إبداع فمنذ ابن خلدون إلى الآن لم نقدم أي جديد يُذكر في العلوم الإنسانية، والعيب ليس في معارض الكتاب، وليس في دور النشر، وإنما في المؤلف، والمؤلف ابن بيئته فالإبداع مغامرة ويحتاج إلى أن يكون الإنسان حراً في أن يقول رأيه، وأنا أقصد الرأي المتقيد بالثوابت الدينية والأخلاقية، ونحن نعيد ترجمة وصياغة أفكار الغرب في المجال الإنساني بلغة عربية حتى المصطلحات لسنا أمينين على ترجمتها حتى المفكرين في دول المغرب العربي يغلب عليهم الفرانكفونية.