بالتأكيد لدينا في كل بيت من بيوت الوطن شاب واحد على الأقل مبتعث ننتظر عودته بخوف من أن لا يجد حتى حائطاً ليعلّق شهادته عليه، أو قد يكون فعلاً لدينا شاب آخر قد عاد أصلاً وما زال يضع يده على خده بانتظار وظيفة طالما حلم بها. بعض المبتعثين ممن عادوا لم يتمكّنوا من احتمال جلوسهم في المنزل بتلك الوضعية لفترة طويلة، فما كان منهم إلا أن افتتحوا مطاعم لبيع (البرجر) متكئين على ثقافة (الفاست فوود) الشبابية والديكورات التي تتواءم مع روح زبائنهم. الأمر الذي جعلهم بمهنة رجال أعمال بدلا عن تلك التي تصفه بال(عاطل) حتى إشعار آخر. وأثناء زيارتي هذه الأيام للندن في ضيافة أختي المبتعثة هناك، وجدتُ مطعماً لبنانياً جديداً وبعيداً عن شارع العرب (إجوارد رود)، طبعاً أخذت (الكبّة) بالأحضان؛ حيث إنني لا أستطيع مقاومتها بسهولة في أي زمان ولا مكان، ولأن حبّة الكبة الواحدة تكلّف ثروة أي ما يقارب 7 ريالات لكل كبّة، فلا بد أن جدّتي العزيزة كانت ستصبح مليونيرة فيما لو سكنت بريطانيا وأراحتنا من عذاب الضمير، فقد تفتتح محلا لل(كبيبة) الحجازية أولل(كباب الميرو) على طول الطريق المؤدي لشارع «أكسفورد» الشهير. الحقيقة.. ليس فقط لأن (الكبّة) كانت لذيذة، بل يبدو أن الدم دائماً ما يحن لكل ما هو عربي، بالذات فيما تختص به المعدة والفم من مذاقات. فما الذي يجعل أختي مثلاً تشتري التوست والموز وتصنع (معصوبا) بالقشدة في شقتها على نهر التيمز؟!! وما الذي يجعل الأمريكان يتلذّذون بطعم (الكبسات والسمبوسك والحنيذ والمظبي والسليق...) التي يشترونها من بعض المبتعثين السعوديين الذين ساعدتهم هواية الطبخ في احتمال المصاريف وغلاء المعيشة؟!! في بعض الأحيان أصبحت هذه الطبخات السعودية مصدر رزق حقيقي للكثير من المبتعثات خارج المملكة، بمن فيهم تلك السيدة التي طلبنا منها إعداد طعام عربي يكفي لعشرة أشخاص احتفالاً بإحدى الصديقات التي اقترب موعد ولادتها في أحد أحياء لندن. وأذكر أنه قبل أربع سنوات دشّن مبتعثون سعوديون أول مطعم يقدم الأكلات الشعبية السعودية في «كولورادو» بالولايات المتحدة، وهم إن كانوا يقرون بأن "الربح المادي" من ضمن أهدافهم، لكنهم يؤكدون أن هدفهم نقل التراث السعودي إلى الأميركيين وبإدارة نسائية سعودية. ربما هذه الأفكار هي ما جعلت الملحقية الثقافية بالولايات المتحدةالأمريكية ومعهد ريادة الأعمال الوطني «ريادة» يطلقان برنامج «تمكُّن» الذي يرعاه «بنك البلاد»، ويهدف إلى تنمية روح الريادة لدى المبتعثين والمبتعثات ومساعدتهم على امتلاك مشاريعهم الخاصة التي طالما حلموا برؤيتها على أرض الواقع، وربما أيضاً هذا ما دعا برنامج «باب رزق جميل» إلى تقديم فرصة جديدة تستقبل المبتعثين بعد عودتهم إلى السعودية، من خلال إقراضهم مبلغ 150 ألف ريال، في حال رغبتهم في استثمار ما درسوه على حسابهم الخاص. وليست المطاعم وحدها هي المشروع الذي يسعى إليه المبتعثون، إنما ما ذكرته هنا كان مجرد أمثلة لشباب عصاميين استغلوا مهاراتهم في بدء حياة جديدة تعينهم على المستقبل. نعم.. المستقبل الذي ربما يكون قد اختلف تماماً عمّا كانوا يحلمون به ويتمنونه. ماجستير تربية خاصة - مدرب معتمد